وقوله تعالى: «وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» . دعوة إلى البذل فى وجوه الحق والخير، وأولى هذه الوجوه ما كان فى الجهاد فى سبيل الله، فهذا باب أجزل الله فيه الثواب لأهله، وخصهم بالمزيد من فضله ورضوانه، ولهذا اقتضت حكمة الله سبحانه أن يشارك المجتمع الإسلامى كله فى الجهاد، كل بحسب جهده وقدرته، وذلك حتى لا يحرم أحد منه هذا الخير الكثير، بالقليل من الجهد..
فمن جهز غازيا فقد غزا، ومن أعان فى إعداد أدوات الحرب، ومئونة الجيش فقد غزا، ومن قام على خدمة من خلّف المجاهدون وراءهم من أهل وولد، فهو فى المجاهدين.. وهكذا كل عمل يقوّى من جبهة المجاهدين هو من الجهاد المبرور المقبول عند الله.
هذا، وقد يعمل المجاهد فى أكثر من ميدان، فيجهز المجاهدين بما له، وينفق فى كل ما تحتاج إليه الحرب من سلاح ومتاع، ثم يكون هو مع المجاهدين فى ميدان القتال، وإنه على قدر العمل يكون الثواب.
وفى قوله تعالى: «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» تنبيه وتحذير من هذا الشعور الحماسى الذي قد يغلب على المجاهد وهو فى ميدان المعركة، فيتحدى الموت الذي يتخطف النفوس من حوله، فيندفع متهورا يلقى الموت فى غير مبالاة.
والإسلام حريص على أهله ضنين بهم، فلا يبيع حياتهم إلا بالثمن الكريم الغالي، ولا يقتضيها هذا البيع إلا حيث تجب التضحية والفداء فى سبيل الله، ولا سبيل آخر غير هذا السبيل تقدم فيه النفوس قربانا لله وفى سبيل الله.
وعلى هذا فإن واجبا على المسلم إذ يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله،