التفسير: وهذا ميثاق آخر أخذه الله على بنى إسرائيل: أن يحترموا حرمات الدماء والأموال، فلا يسفك بعضهم دم بعض، ولا يعتدى بعضهم على ما بيد بعض من أموال وديار.. وإذ كان هذا الميثاق عاملا ماديا يحرس أمنهم وسلامتهم، فقد أقروا به، وشهدوا آثاره حين استجابوا له، وعملوا به، فهو قانون يعطى ثماره عاجلة غير موجّلة.
وانظر كيف جاءت فاصلة الآية هنا: «ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ» حيث يقتضى الأمر تسليما ورضى به من كل إنسان، إذ فيه أمنه وسلامته..
على حين جاءت الفاصلة فى الآية التي قبلها، وهى التي تحمل الميثاق بالإيمان بالله واليوم الآخر، والإحسان إلى الوالدين وذوى القربى والمساكين وابن السبيل، والإحسان إلى الناس بالقول مع الإحسان إليهم بالعمل، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة- جاءت الفاصلة هناك هكذا: «ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ» حيث لا تلقى هذه الدعوة استجابة ورضى إلا من قلوب متفتحة للحق، ونفوس متقبلة للخير.
وحظ القوم- أعنى اليهود- من هذا وذاك قليل، فلا يهشّون لمثل هذه الدعوة، التي لا تضع بين أيديهم كسبا عاجلا، وثمرا ناضجا!! ومع أن القوم أقروا بهذا الميثاق الذي يضمن لهم صيانة دمائهم وأموالهم، وشهدوا آثاره الطيبة العاجلة فيهم- مع هذا، فإنّهم سرعان ما تغلب عليهم