responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 91
بِهِ الْمُعْتَادَ تَشْرِيفًا لَهُ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الشورى: 51] ، وَقَدْ كَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْإِسَرَاءِ، وَأَحْسَبُ الْأَحَادِيثَ الْقُدْسِيَّةَ كُلَّهَا أَوْ مُعْظَمَهَا مِمَّا كَلَّمَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا إِرْسَالُ اللَّهِ جِبْرِيلَ بِكَلَامٍ إِلَى أَحَدِ أَنْبِيَائِهِ، فَهِيَ كَيْفِيَّةٌ أُخْرَى، وَذَلِكَ بِإِلْقَاءِ الْكَلَامِ فِي نَفْسِ الْمَلِكِ الَّذِي يُبَلِّغُهُ إِلَى النَّبِيءِ، وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، وَقَدْ كَانَ الْوَحْيُ إِلَى مُوسَى بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ وَهُوَ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ فِي التَّوْرَاةِ بِقَوْلِهَا: قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى.
وَقَوْلُهُ: قالَ رَبِّ أَرِنِي هُوَ جَوَابُ لَمَّا عَلَى الْأَظْهَرِ، فَإِنْ قَدَّرْنَا الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ:
وَكَلَّمَهُ زَائِدَةً فِي جَوَابِ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ: قالَ وَاقِعًا فِي طَرِيقِ الْمُحَاوَرَةِ فَلِذَلِكَ فُصِلَ.
وَسُؤَالُ مُوسَى رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى تَطَلُّعٌ إِلَى زِيَادَةِ الْمُعْرِفَةِ بِالْجَلَالِ الْإِلَهِيِّ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْمُوَاعِدَةُ تَتَضَمَّنُ الْمُلَاقَاةَ. وَكَانَتِ الْمُلَاقَاةُ تَعْتَمِدُ رُؤْيَةَ الذَّاتِ وَسَمَاعَ الْحَدِيثِ، وَحَصَلَ لِمُوسَى أَحَدُ رُكْنَيِ الْمُلَاقَاةِ وَهُوَ التَّكْلِيمُ، أَطْمَعَهُ ذَلِكَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْمُشَاهَدَةُ، وَمِمَّا يُؤْذِنُ بِأَنَّ التَّكْلِيمَ هُوَ الَّذِي أَطْمَعَ مُوسَى فِي حُصُولِ الرُّؤْيَةِ جَعْلُ جُمْلَةِ وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ شَرْطًا لِحَرْفِ (لَمَّا) لِأَنَّ (لَمَّا) تَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ الِارْتِبَاطِ بَيْنَ شَرْطِهَا وَجَوَابِهَا، فَلِذَلِكَ يَكْثُرُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً فِي حُصُولِ جَوَابِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما فِي هَذِهِ السُّورَةِ [22] ، هَذَا عَلَى جَعْلِ وَكَلَّمَهُ عَطْفًا عَلَى شَرْطِ لَمَّا، وَلَيْسَ جَوَابَ لَمَّا، وَلَا نَشُكُّ فِي أَنَّهُ سَأَلَ رُؤْيَةً تَلِيقُ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ مِثْلُ
الرُّؤْيَةِ الْمَوْعُودِ بِهَا فِي الْآخِرَةِ، فَكَانَ مُوسَى يَحْسَبُ أَنَّ مِثْلَهَا مُمْكِنٌ فِي الدُّنْيَا حَتَّى أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يمْتَنع على نَبِي عَدَمُ الْعلم بتفاصيل الشؤون الْإِلَهِيَّةِ قَبْلَ أَنْ يُعَلِّمَهَا اللَّهُ إِيَّاهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لرَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه: 114] ، وَلِذَلِكَ كَانَ أَيِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ مُحِقِّينَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِسُؤَالِ مُوسَى رُؤْيَةَ اللَّهِ عَلَى إِمْكَانِهَا بِكَيْفِيَّةٍ تلِيق بِصِفَات الإلاهية لَا نَعْلَمُ كُنْهَهَا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: «بِلَا كَيْفٍ» .
وَكَانَ الْمُعْتَزِلَةُ غَيْرَ مُحِقِّينَ فِي اسْتِدْلَالِهِمْ بِذَلِكَ عَلَى اسْتِحَالَتِهَا بِكُلِّ صفة.
وَقد يؤول الْخِلَافُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ إِلَى اللَّفْظِ، فَإِنَّ الْفَرِيقَيْنِ مُتَّفِقَانِ عَلَى اسْتِحَالَةِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 91
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست