responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 60
وَخَاطَبَ مُوسَى قَوْمَهُ بِذَلِكَ تَطْمِينًا لِقُلُوبِهِمْ، وَتَعْلِيمًا لَهُمْ بِنَصْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ لِأَنَّهُ علم لِأَنَّهُ بِوَحْيِ اللَّهِ إِلَيْهِ.
وَجُمْلَةُ: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ تَذْيِيلٌ وَتَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِالِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ وَالصَّبْرِ، أَيِ: افْعَلُوا ذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَ الظُّلْمِ لَا يَدُومُ، وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى فُصِلَتِ الْجُمْلَةُ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ كِنَايَةٌ عَنْ تَرَقُّبِ زَوَالِ اسْتِعْبَادِ فِرْعَوْنَ إِيَّاهُمْ، قُصِدَ مِنْهَا صَرْفُ الْيَأْسِ عَنْ أَنْفُسِهِمُ النَّاشِئِ عَنْ مُشَاهَدَةِ قُوَّةِ فِرْعَوْنَ وَسُلْطَانِهِ، بِأَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَوَّلَهُ ذَلِكَ السُّلْطَانَ قَادِرٌ عَلَى نَزْعِهِ مِنْهُ لِأَنَّ مُلْكَ الْأَرْضِ كُلِّهَا لِلَّهِ فَهُوَ الَّذِي يُقَدِّرُ لِمَنْ يَشَاءُ مُلْكَ شَيْءٍ مِنْهَا وَهُوَ الَّذِي يُقَدِّرُ نَزْعَهُ.
فَالْمُرَادُ مِنَ الْأَرْضِ هُنَا الدُّنْيَا لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالتَّذْيِيلِ وَأَقْوَى فِي التَّعْلِيلِ، فَهَذَا إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُمْ خَارِجُونَ مِنْ مِصْرَ وَسَيَمْلِكُونَ أَرْضًا أُخْرَى.
وَجُمْلَةُ: وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ تَذْيِيلٌ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةً، أَيْ: عَاطِفَةً عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيلِ، فَيَكُونُ هَذَا تَعْلِيلًا ثَانِيًا لِلْأَمْرِ بِالِاسْتِعَانَةِ وَالصَّبْرِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ أُوثِرَ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ عَلَى فَصْلِ الْجُمْلَةِ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى التَّذْيِيلِ أَنْ تَكُونَ مَفْصُولَةً.
وَالْعَاقِبَةُ حَقِيقَتُهَا نِهَايَةُ أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ وَآخِرُهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ [الْحَشْر: 17] ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ [11] ، فَإِذَا عُرِّفَتِ الْعَاقِبَةُ بِاللَّامِ
كَانَ الْمُرَادُ مِنْهَا انْتِهَاءَ أَمْرِ الشَّيْءِ بِأَحْسَنَ مِنْ أَوَّلِهِ وَلَعَلَّ التَّعْرِيفَ فِيهَا مِنْ قَبِيلِ الْعِلْمِ بِالْغَلَبَةِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَوَدُّ أَنْ يَكُونَ آخِرُ أَحْوَالِهِ خَيْرًا مِنْ أَوَّلِهَا لِكَرَاهَةِ مُفَارَقَةِ الْمُلَائِمِ، أَوْ لِلرَّغْبَةِ فِي زَوَالِ الْمُنَافِرِ، فَلِذَلِكَ أُطْلِقَتِ الْعَاقِبَةُ مُعَرَّفَةً عَلَى انْتِهَاءِ الْحَالِ بِمَا يَسُرُّ وَيُلَائِمُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى [طه: 132] . وَفِي حَدِيثِ أَبَى سُفْيَانَ قَوْلُ هِرَقْلَ: «وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ» فَلَا تُطْلَقُ الْمُعَرَّفَةُ عَلَى عَاقِبَةِ السُّوءِ.
فَالْمُرَادُ بِالْعَاقِبَةِ هُنَا عَاقِبَةُ أُمُورِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 60
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست