responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 47
الْخَبَرِ الْمَقَامُ لِأَنَّهُمْ جَاءُوا لِإِلْقَاءِ آلَاتِ سِحْرِهِمْ، وَزَعَمُوا أَنَّ مُوسَى مِثْلُهُمْ. وَفِي «الْكَشَّافِ» فِي سُورَةِ طه، جَعَلَ إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ الْأَمْرُ إِلْقَاؤُكُ أَوْ إِلْقَاؤُنَا، وَلَمَّا كَانَ الْوَاقِعُ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ بِالْخَبَرِ الْفَائِدَةَ لِأَنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ، فَلَا يَحْسُنُ الْإِخْبَارُ بِهَا مِثْلَ: السَّمَاءُ فَوْقَنَا، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنًى غَيْرِ الْإِخْبَارِ، وَذَلِكَ هُوَ التَّخْيِيرُ أَيْ: إِمَّا أَنْ تَبْتَدِئَ بِإِلْقَاءِ آلَاتِ سِحْرِكَ وَإِمَّا أَن نبتدىء، فاختير أَنْت أحد مرين وَمِنْ هُنَا جَازَ جَعْلُ الْمَصْدَرَيْنِ الْمُنْسَبِكَيْنِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِفِعْلِ تَخْيِيرٍ مَحْذُوفٍ، كَمَا قَدَّرَهُ الْفَرَّاءُ وَجَوَّزَهُ فِي «الْكَشَّافِ» فِي سُورَةِ طه، أَيِ: اخْتَرْ أَنْ تُلْقِيَ أَوْ كَوْنَنَا الْمُلْقِينَ، أَيْ: فِي الْأَوَّلِيَّةِ، ابْتَدَأَ السَّحَرَةُ مُوسَى بِالتَّخْيِيرِ فِي التَّقَدُّمِ إِظْهَارًا لِثِقَتِهِمْ بِمَقْدِرَتِهِمْ وَأَنَّهُمُ الْغَالِبُونَ، سَوَاء ابْتَدَأَ السَّحَرَة مُوسَى بِالْأَعْمَالِ أَمْ كَانُوا هُمُ الْمُبْتَدِئِينَ، وَوَجْهُ دَلَالَةِ التَّخْيِيرِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ التَّقَدُّمَ فِي التَّخْيِيلَاتِ وَالشَّعْوَذَةِ أَنَجَحُ لِلْبَادِئِ لِأَنَّ بَدِيهَتَهَا تَمْضِي فِي النُّفُوسِ وَتَسْتَقِرُّ فِيهَا، فَتَكُونُ النُّفُوسُ أَشَدَّ تَأَثُّرًا بِهَا مِنْ تَأَثُّرِهَا بِمَا يَأْتِي بَعْدَهَا، وَلَعَلَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ أَرَادُوا أَنْ يَسْبُرُوا مِقْدَارَ ثِقَةِ مُوسَى بِمَعْرِفَتِهِ مِمَّا يَبْدُو مِنْهُ مِنَ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَهُ أَوْ مِنَ الْحِرْصِ عَلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُقَدَّمَ، فَإِنَّ لِاسْتِضْعَافِ النَّفْسِ تَأْثِيرًا عَظِيمًا فِي اسْتِرْهَابِهَا وَإِبْطَالِ حِيلَتِهَا، وَقَدْ جَاءُوا فِي جَانِبِهِمْ بِكَلَامٍ يَسْتَرْهِبُ مُوسَى وَيُهَوِّلُ
شَأْنَهُمْ فِي نَفْسِهِ، إِذِ اعْتَنَوْا بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَوَاتِهِمْ بِزِيَادَةِ تَقْرِيرِ الدَّلَالَةِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا فِي حِكَايَةِ كَلَامِهِمْ بِتَأْكِيدِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ.
وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ الْمَقَامَ لَا يَصْلُحُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ دَلُّوا عَلَى رَغْبَتِهِمْ فِي أَنْ يُلْقُوا سِحْرَهُمْ قَبْلَ مُوسَى، لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِى إِظْهَارَ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَهُمْ، خِلَافًا لِمَا فِي «الْكَشَّافِ» وَغَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ كَانَ فِي جَوَابِ مُوسَى إِيَّاهُمْ بِقَوْلِهِ: أَلْقُوا اسْتِخْفَافٌ بِأَمْرِهِمْ إِذْ مَكَّنَهُمْ مِنْ مُبَادَاةِ إِظْهَارِ تَخْيِيلَاتِهِمْ وَسِحْرِهِمْ، لِأَنَّ اللَّهَ قَوَّى نَفْسَ مُوسَى بِذَلِكَ الْجَوَابِ لِتَكُونَ غَلَبَتُهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ كَانُوا هُمُ الْمُبْتَدِئِينَ أَوْقَعَ حُجَّةٍ وَأَقْطَعَ مَعْذِرَةٍ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنْ لَيْسَ فِي أَمْرِ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِيَّاهُمْ بِالتَّقَدُّمِ مَا يَقْتَضِي تَسْوِيغَ مُعَارَضَةِ دَعْوَةِ الْحَقِّ لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا مَعْرُوفِينَ بِالْكُفْرِ بِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى فَلَيْسَ فِي مُعَارَضَتِهِمْ إِيَّاهُ تَجْدِيدُ كُفْرٍ، وَلِأَنَّهُمْ جَاءُوا مُصَمِّمِينَ عَلَى مُعَارَضَتِهِ فَلَيْسَ الْإِذْنُ لَهُمْ تَسْوِيغًا، وَلَكِنَّهُمْ خَيَّرُوهُ فِي التَّقَدُّمِ أَوْ يَتَقَدَّمُوا فَاخْتَارَ أَنْ يَتَقَدَّمُوا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 47
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست