responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 42
فِرْعَوْنَ فِي مَجْلِسِهِ فَلَمْ يَكُنْ بِمَرْأًى وَمَسْمَعٍ مِنَ الْعَامَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى [طه: 43] وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ [الْأَعْرَاف: 103] وَإِنَّمَا أُشْهِرَتْ دَعْوَتُهُ فِي الْمَرَّةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ اجْتِمَاعِ السَّحَرَةِ.
وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا الْكَلَامَ عَلَى وَجْهِ الشُّورَى مَعَ فِرْعَوْنَ وَاسْتِنْبَاطِ الِاعْتِذَارِ لِأَنْفُسِهِمْ عَنْ قِيَامِ حُجَّةِ مُوسَى فِي وُجُوهِهِمْ فَاعْتَلُّوا لِأَنْفُسِهِمْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِأَنَّ مُوسَى إِنَّمَا هُوَ سَاحِرٌ
عَلِيمٌ بِالسِّحْرِ أَظْهَرَ لَهُمْ مَا لَا عَهْدَ لَهُمْ بِمِثْلِهِ مِنْ أَعْمَالِ السَّحَرَةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ قَدْ أَعْرَبَ عَنْ رَأْيِ جَمِيعِ أَهْلِ مَجْلِسِ فِرْعَوْنَ، فَفِرْعَوْنُ كَانَ مُشَارِكًا لَهُمْ فِي هَذَا لِأَنَّ الْقُرْآنَ حَكَى عَنْ فِرْعَوْنَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ أَنَّهُ قَالَ لِلْمَلَأِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَساحِرٌ عَلِيمٌ، وَهَذِهِ الْمَعْذِرَةُ قد انتحلوها وتواطأوا عَلَيْهَا تَبِعُوا فِيهَا مَلِكَهُمْ أَوْ تَبِعَهُمْ فِيهَا، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ قَدْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى هَذَا الِاعْتِذَارِ وَلِذَلِكَ فَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ خِطَابُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَهُوَ حَاصِلٌ مِنْ طَوَائِفِ ذَلِكَ الْمَلَأِ لِطَوَائِفَ يُرَدِّدُونَهُ بَيْنَهُمْ وَيَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
وَوَجْهُ اسْتِفَادَتِهِمْ أَنَّ مُوسَى يُرِيدُ إِخْرَاجَهُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ، إِمَّا أَنَّهُمْ قَاسُوا ذَلِكَ عَنْ قَوْلِ مُوسَى فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ [الْأَعْرَاف: 105] بِقَاعِدَةِ مَا جَازَ عَلَى الْمِثْلِ يَجُوزُ عَلَى الْمُمَاثِلِ، يَعْنُونَ أَنَّهُ مَا أَظْهَرَ إِخْرَاجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا ذَرِيعَةً لِإِخْرَاجِ كُلِّ مَنْ يُؤمن بِهِ ليتخدهم تَبَعًا وَيُقِيمَ بِهِمْ مُلْكًا خَارِجَ مِصْرَ. فَزَعَمُوا أَنَّ تِلْكَ مَكِيدَةٌ مِنْ مُوسَى لِثَلْمِ مُلْكِ فِرْعَوْنَ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَلَأُ فِرْعَوْنَ مُحْتَوِيًا عَلَى رِجَالٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا مُقَرَّبِينَ عِنْدَ فِرْعَوْنَ وَمِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ فِي الْمَمْلَكَةِ، فَهُمُ الْمَقْصُودُ بِالْخِطَابِ، أَيْ: يُرِيدُ إِخْرَاجَ قَوْمِكُمْ مِنْ أَرْضِكُمُ الَّتِي اسْتَوْطَنْتُمُوهَا أَرْبَعَةَ قُرُونٍ وَصَارَتْ لَكُمْ مَوْطِنًا كَمَا هِيَ لِلْمِصْرِيِّينَ، وَمَقْصِدُهُمْ مِنْ ذَلِكَ تَذْكِيرُهُمْ بِحُبِّ وَطَنِهِمْ، وَتَقْرِيبُهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنْسَاؤُهُمْ مَا كَانُوا يَلْقَوْنَ مِنَ اضْطِهَادِ الْقِبْطِ وَاسْتِذْلَالِهِمْ، شُعُورًا مِنْهُمْ بِحَرَاجَةِ الْمَوْقِفِ.
وَإِمَّا أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ إِذَا شَاعَ فِي الْأُمَّةِ ظُهُورُ حُجَّةِ مُوسَى وَعَجْزُ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ أَدْخَلَ ذَلِكَ فِتْنَةً فِي عَامَّةِ الْأُمَّةِ فَآمَنُوا بِمُوسَى وَأَصْبَحَ هُوَ الْمَلِكَ عَلَى مِصْرَ فَأَخْرَجَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ مِنْهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَلَأُ خَاطَبُوا بِذَلِكَ فِرْعَوْنَ. فَجَرَتْ ضَمَائِرُ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ: أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ عَلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ تَعْظِيمًا لِلْمَلِكِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 42
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست