responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 308
مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمَوَاعِظِ، فَالْمُرَادُ انْتِفَاءُ الْخَيْرِ الِانْفِعَالِيِّ عَنْهُمْ وَهُوَ التَّخَلُّقُ وَالِامْتِثَالُ لِمَا يَسْمَعُونَهُ مِنَ الْخَيْرِ.
وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: لَوْ جَبَلَهُمُ اللَّهُ عَلَى قَبُولِ الْخَيْرِ لَجَعَلَهُمْ يَسْمَعُونَ أَيْ يَعْمَلُونَ بِمَا يَدْخُلُ أَصْمَاخَهُمْ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى الْخَيْرِ. فَالْكَلَامُ اسْتِدْلَالٌ بِانْتِفَاءِ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ جِنْسِ الْخَيْرِ. وَذَلِكَ هُوَ فَرْدُ الِانْتِفَاعِ بِالْمَسْمُوعِ الْحَقِّ، عَلَى انْتِفَاءِ جِنْسِ الْخَيْرِ مِنْ نُفُوسِهِمْ، فَمَنَاطُ الِاسْتِدْلَالِ هُوَ إِجْرَاءُ أَمْرِهِمْ عَلَى الْمَأْلُوفِ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ فِي خَلْقِ أَجْنَاسِ الصِّفَاتِ وَأَشْخَاصِهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَخْرُجُ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَوْ شَاءَ أَنْ يُجْرِيَ أَمْرَهُمْ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَادِ مِنْ أَمْثَالِهِمْ.
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى مَاتَ عَلَى الشِّرْكِ فَقَدِ انْتَفَتْ مُخَالَطَةُ الْخَيْرِ نَفْسَهُ، وَكُلُّ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ فَهُوَ فِي وَقْتِ عِنَادِهِ وَتَصْمِيمِهِ عَلَى الْعِنَادِ قَدِ انْتَفَتْ مُخَالَطَةُ الْخَيْرِ نَفْسَهُ وَلَكِنَّ الْخَيْرَ يَلْمَعُ عَلَيْهِ، حَتَّى إِذَا اسْتَوْلَى نُورُ الْخَيْرِ فِي نَفْسِهِ عَلَى ظُلْمَةِ كُفْرِهِ أَلْقَى اللَّهُ فِي نَفْسِهِ الْخَيْرَ فَأَصْبَحَ قَابِلًا لِلْإِرْشَادِ وَالْهُدَى، فَحَقَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا حِينَئِذٍ فَأَسْمَعَهُ. فَمِثْلُ ذَلِكَ مَثَلُ أَبِي سُفْيَانَ،
إِذْ كَانَ فِيمَا قَبْلَ لَيْلَةِ فَتْحِ مَكَّةَ قَائِدَ أَهْلِ الشِّرْكِ فَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْ جَيْشِ الْفَتْحِ وَأُدْخِلَ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ أَمَّا آنَ لَكَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: «لَقَدْ عَلِمْتُ أَنْ لَوْ كَانَ مَعَهُ إِلَهٌ آخَرَ لَقَدْ أَغْنَى عَنِّي شَيْئًا» ثُمَّ قَالَ لَهُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَأَنْ تَشْهَدَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» فَقَالَ: أَمَّا هَذِهِ فَفِي الْقَلْبِ مِنْهَا شَيْءٌ»
فَلَمْ يَكْمُلْ حِينَئِذٍ إِسْمَاعُ اللَّهِ إِيَّاهُ، ثُمَّ تَمَّ فِي نَفْسِهِ الْخَيْرُ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ
أَسْلَمَ فَأَصْبَحَ مِنْ خِيرَةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَجُمْلَةُ: وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ أَيْ لَأَفْهَمَهُمْ مَا يَسْمَعُونَ وَهُوَ ارْتِقَاءٌ فِي الْأَخْبَارِ عَنْهُمْ بِانْتِفَاءِ قَابِلِيَّةِ الِاهْتِدَاءِ عَنْ نُفُوسِهِمْ فِي أَصْلِ جِبِلَّتِهِمْ. فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِانْتِفَاءِ تَعَلُّمِهِمُ الْحِكْمَةَ وَالْهُدَى فَلِذَلِكَ انْتَفَى عَنْهُمُ الِاهْتِدَاءُ، ارْتَقَى بِالْإِخْبَارِ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِأَنَّهُمْ لَوْ قَبِلُوا فَهْمَ الْمَوْعِظَةِ وَالْحِكْمَةِ فِيمَا يَسْمَعُونَهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَكَلَامِ النُّبُوَّةِ لَغَلَبَ مَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ التَّخَلُّقِ بِالْبَاطِلِ عَلَى مَا خَالَطَهَا مِنْ إِدْرَاكِ الْخَيْرِ، فَحَالَ ذَلِكَ التَّخَلُّقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَمَلِ بِمَا عَلِمُوا، فَتَوَلَّوْا وَأَعْرَضُوا.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 308
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست