responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 292
الْعَدُوِّ، وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالِاسْتِنْجَادِ وَالْعَوْدَةِ إِلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ كَمَا صَنَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي غَزْوَةِ إِفْرِيقِيَّةَ الْأُولَى، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا [الْأَنْفَال: 45] وَمَا
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ»
. وَلَعَلَّ حِكْمَةَ ذَلِكَ أَنْ يَمْضِيَ الْمُسْلِمُونَ فِي نَصْرِ الدِّينِ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ، إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي الِانْجِلَاءِ عَنْ دَارِ الْعَدُوِّ وَتَرْكِ قِتَالِهِمْ، أَنْ يُغَادِرَ دَارَ الْحَرْبِ وَيَرْجِعَ إِلَى مَقَرِّهِ، إِذَا أَمِنَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ الْعَدُوُّ، وَكَانَ لَهُ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يَسْتَطِيعُ بِهِ دِفَاعَهُمْ إِذَا لَحِقُوا بِهِ، فَذَلِكَ لَا يُسَمَّى تَوْلِيَةَ أَدْبَارٍ، بَلْ هُوَ رَأْيٌ وَمَصْلَحَةٌ، وَهَذَا عِنْدِي هُوَ مَحْمَلُ مَا
رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ بَعَثَهَا النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً فَكُنْتُ فِيمَنْ حَاصَ فَلَمَّا بَرَزْنَا قُلْنَا كَيْفَ نَصْنَعُ إِذَا دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ وَقَدْ فَرَرْنَا مِنَ الزَّحْفِ وَبُؤْنَا بِالْغَضَبِ ثُمَّ قُلْنَا لَوْ عَرَضْنَا أَنْفُسَنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَانَ لَنَا تَوْبَةٌ أَقَمْنَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ ذَهَبْنَا قَالَ «فَجَلَسْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا نَحْنُ الْفَرَّارُونَ، فَأَقْبَلْ إِلَيْنَا فَقَالَ لَا بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ (أَيِ الَّذِينَ يَكُرُّونَ يَعْنِي أَنَّ فِرَارَكُمْ مِنْ قَبِيلِ الْفَرِّ لِلْكَرِّ، يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا وَلَّى عَنِ الْحَرْبِ ثُمَّ كَرَّ رَاجِعًا إِلَيْهَا عَكَّرَ أَوِ اعْتَكَرَ) وَأَنَا فِئَةُ الْمُسْلِمِينَ»
يَتَأَوَّلُ لَهُمْ أَنَّ فِرَارَهُمْ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ- قَالَ ابْنُ عُمَرَ- فَدَنَوْنَا فَقَبَّلْنَا يَدَهُ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ فِرَارَ ابْنِ عُمَرَ وَأَصْحَابِهِ لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِ مُجَالَدَتِهِمُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ انْسِلَالًا لِيَنْحَازُوا
إِلَى الْمَدِينَةِ فَتِلْكَ فِئَتُهُمْ.
وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ الْفِرَارَ فِي وَقْتِ مُنَاجَزَةِ الْمُشْرِكِينَ وَمُجَالَدَتِهِمْ وَهُوَ وَقْتُ اللِّقَاءِ لِأَنَّ الْفِرَارَ حِينَئِذٍ يُوقِعُ فِي الْهَزِيمَةِ الشَّنِيعَةِ وَالتَّقْتِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ فَإِذَا أَقْدَمَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْقِتَالِ لَمْ يَكُنْ نَصْرُهُمْ إِلَّا بِصَبْرِهِمْ وَتَأْيِيدِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، فَلَوِ انْكَشَفُوا بِالْفِرَارِ لَأَعْمَلَ الْمُشْرِكُونَ الرِّمَاحَ فِي ظُهُورِهِمْ فَاسْتَأْصَلُوهُمْ، فَلِذَلِكَ أَمَرَهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ، فَيَكُونُ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ حُكْمُ الصَّبْرِ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَبِهَذَا يَكُونُ التَّقْيِيدُ بِحَالِ الزَّحْفِ لِلِاحْتِرَازِ عَنِ اللِّقَاءِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالَةِ. وَأَمَّا آيَةُ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [الْأَنْفَال: 65] فَقَدْ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 292
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست