responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 279
وَ (مَنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنْهُ لِلِابْتِدَاءِ الْمَجَازِيِّ، وَهُوَ وصف ل (أَمَنَة) لِإِفَادَةِ تَشْرِيفِ ذَلِكَ النُّعَاسِ وَأَنَّهُ وَارِدٌ مِنْ جَانِبِ الْقُدُسِ، فَهُوَ لُطْفٌ وَسَكِينَةٌ وَرَحْمَةٌ رَبَّانِيَّةٌ، وَيَتَأَكَّدُ بِهِ إِسْنَادُ الْإِغْشَاءِ إِلَى اللَّهِ، عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ نَصَبُوا (النُّعَاسَ) ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ إِسْنَادٌ مَخْصُوصٌ، وَلَيْسَ الْإِسْنَادُ الَّذِي يَعُمُّ الْمَقْدُورَاتِ كُلِّهَا، وَعَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعُوا (النُّعَاسَ) يَكُونُ وَصْفُ الْأَمَنَةِ بِأَنَّهَا مِنْهُ سَارِيًا إِلَى الْغَشْيِ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ غَشْيٌ خَاصٌّ قُدْسِيٌّ، وَلَيْسَ مِثْلَ سَائِرِ غَشَيَانِ النُّعَاسِ فَهُوَ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ كَانَ كَرَامَةً لَهُمْ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ كَمَا هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ الْآيَةِ وَحَصَلَ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ لِطَائِفَةٍ مِنَ الْجَيْشِ قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [154] ، وَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: «كُنْتُ فِيمَنْ تَغَشَّاهُ النُّعَاسَ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى سَقَطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي مِرَارًا» .
وَذَكَرَ اللَّهُ مِنَّةً أُخْرَى جَاءَتْ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ: وَهِيَ أَنَّهُ أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِسْنَادُ هَذَا الْإِنْزَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ أَكْرَمَهُمْ بِهِ وَذَلِكَ لِكَوْنِهِ نَزَلَ فِي وَقْتِ
احْتِيَاجِهِمْ إِلَى الْمَاءِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ فِيهِ نُزُولُ الْأَمْطَارِ فِي أُفُقِهِمْ، قَالَ أَهْلُ السِّيَرِ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ اقْتَرَبُوا مِنْ بَدْرٍ رَامُوا أَنْ يَسْبِقُوا جَيْشَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مَاءِ بَدْرٍ، وَكَانَ طَرِيقُهُمْ دَهْسَاءَ أَيْ رَمْلًا لَيِّنًا، تَسُوخُ فِيهِ الْأَرْجُلُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِسْرَاعُ السَّيْرِ إِلَى الْمَاءِ وَكَانَتْ أَرْضُ طَرِيقِ الْمُشْرِكِينَ مُلَبَّدَةً، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ الْمَطَرَ تَلَبَّدَتِ الْأَرْضُ فَصَارَ السَّيْرُ أَمْكَنَ لَهُمْ، وَاسْتَوْحَلَتِ الْأَرْضُ لِلْمُشْرِكِينَ فَصَارَ السَّيْرُ فِيهَا مُتْعِبًا، فَأَمْكَنَ لِلْمُسْلِمِينَ السَّبْقُ إِلَى الْمَاءِ مِنْ بَدْرٍ وَنَزَلُوا عَلَيْهِ وَادَّخَرُوا مَاءً كَثِيرًا مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ، وَتَطَهَّرُوا وَشَرِبُوا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ.
و (الرجز) الْقَذَرُ، وَالْمُرَادُ الْوَسَخُ الْحِسِّيُّ وَهُوَ النَّجَسُ، وَالْمَعْنَوِيُّ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ بِالْحَدَثِ. وَالْمُرَادُ الْجَنَابَةُ، وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَعُمُّ الْجَيْشَ كُلَّهُ فَلِذَلِكَ قَالَ: وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّ غَالِبَ الْجَيْشِ لَمَّا نَامُوا احْتَلَمُوا فَأَصْبَحُوا عَلَى جَنَابَةٍ وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ خَوَاطِرَ الشَّيْطَانِ يُخَيِّلُهَا لِلنَّائِمِ لِيُفْسِدَ عَلَيْهِ طَهَارَتَهُ بِدُونِ اخْتِيَارٍ طَمَعًا فِي تَثَاقُلِهِ عَنِ الِاغْتِسَالِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَلِأَنَّ فُقْدَانَ الْمَاءِ يُلْجِئُهُمْ إِلَى الْبَقَاءِ فِي تَنَجُّسِ الثِّيَابِ وَالْأَجْسَادِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 279
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست