responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 242
وَلِذَلِكَ قُوبِلَ بِالْخُفْيَةِ فِي قَوْلِهِ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً فِي أَوَائِلِ هَذِهِ السُّورَةِ [55] وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقُوبِلَ التَّضَرُّعُ هُنَا بِالْخِيفَةِ وَهِيَ اسْمُ مَصْدَرِ الْخَوْفِ، فَهُوَ مِنَ الْمَصَادِرِ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى صِيغَةِ الْهَيْئَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْهَيْئَةَ، مِثْلَ الشِّدَّةِ، وَلَمَّا كَانَتِ الْخِيفَةُ انْفِعَالًا نَفْسِيًّا يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ كَانَتْ مُسْتَلْزِمَةً لِلتَّخَافُتِ بِالْكَلَامِ خَشْيَةَ أَنْ يَشْعُرَ بِالْمَرْءِ مَنْ يَخَافُهُ. فَلِذَلِكَ كُنِّيَ بِهَا هُنَا عَنِ الْإِسْرَارِ بِالْقَوْلِ مَعَ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ، فَمُقَابَلَتُهَا بِالتَّضَرُّعِ طِبَاقٌ فِي مَعْنَيَيِ اللَّفْظَيْنِ الصَّرِيحَيْنِ وَمَعْنَيَيْهِمَا الْكِنَاءَيْنِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ تَضَرُّعًا وَإِعْلَانًا وَخِيفَةً وَإِسْرَارًا.
وَقَوْلُهُ: وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ هُوَ مُقَابِلٌ لِكُلٍّ مِنَ التَّضَرُّعِ وَالْخِيفَةِ وَهُوَ الذِّكْرُ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِيعَابُ أَحْوَالِ الذَّكَرِ بِاللِّسَانِ، لِأَنَّ بَعْضَهَا قَدْ تَكُونُ النَّفْسُ أَنْشَطَ إِلَيْهِ مِنْهَا إِلَى الْبَعْض الآخر.
و (الغدو) اسْمٌ لِزَمَنِ الصَّبَاحِ وَهُوَ النِّصْفُ الْأَوَّلُ من النَّهَار.
و (الآصال) جَمْعُ أَصِيلٍ وَهُوَ الْعَشِيُّ وَهُوَ النِّصْفُ الثَّانِي مِنَ النَّهَارِ إِلَى الْغُرُوبِ.
وَالْمَقْصُودُ اسْتِيعَابُ أَجْزَاءِ النَّهَارِ بِحَسَبِ الْمُتَعَارَفِ، فَأَمَّا اللَّيْلُ فَهُوَ زَمَنُ النَّوْمِ، وَالْأَوْقَاتُ الَّتِي تَحْصُلُ فِيهَا الْيَقَظَةُ خُصَّتْ بِأَمْرٍ خَاصٍّ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل: 2] عَلَى أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ.
فَدَلَّ قَوْلُهُ: وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ عَلَى التَّحْذِيرِ مِنَ الْغَفْلَةِ عَنْ ذكر الله ولاحد لِلْغَفْلَةِ، فَإِنَّهَا تُحَدَّدُ بِحَال الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ. فَإِنَّ لَهُ أَوْقَاتًا يَتَلَقَّى فِيهَا الْوَحْي وأوقات شؤون جِبِلِّيَّةٍ كَالطَّعَامِ.
وَهَذَا الْأَمْرُ خَاصٌّ بِالرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَكُلُّ مَا خُصَّ بِهِ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الْوُجُوبِ يُسْتَحْسَنُ لِلْأُمَّةِ اقْتِدَاؤُهُمْ بِهِ فِيهِ إِلَّا مَا نُهُوا عَنْهُ مِثْلَ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ نَحْوَ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ أَشَدُّ فِي الِانْتِفَاءِ وَفِي النَّهْيِ مِنْ نَحْوِ:
وَلَا تَغْفُلْ، لِأَنَّهُ يَفْرِضُ جَمَاعَةً يَحِقُّ عَلَيْهِمْ وَصْفُ الْغَافِلِينَ فَيُحَذَّرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي زُمْرَتِهِمْ وَذَلِكَ أَبْيَنُ لِلْحَالَةِ الْمنْهِي عَنْهَا.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 242
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست