responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 240
يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِذَا سَمِعَ أَحَدًا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالِاسْتِمَاعِ وَيُنْصِتَ، إِذْ قَدْ يَكُونُ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِمَحْضَرِ صَانِعٍ فِي صَنْعَتِهِ فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِمَاعُ لَأُمِرَ بِتَرْكِ عَمَلِهِ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مَحْمَلِ تَأْوِيلِهَا:
فَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهَا بِسَبَبٍ رَأَوْا أَنَّهُ سَبَبُ نُزُولِهَا، فَرَوَوْا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فِي الْجَهْرِ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ صَلَّى وَرَاء النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً جَهْرِيَّةً فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاة والنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَمْرِ النَّاسِ بِالِاسْتِمَاعِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ. وَهَؤُلَاءِ قَصَرُوا أَمْرَ الِاسْتِمَاعِ عَلَى قِرَاءَةٍ خَاصَّةٍ دَلَّ عَلَيْهَا سَبَبُ النُّزُولِ عِنْدَهُمْ عَلَى نَحْوٍ يَقْرُبُ مِنْ تَخْصِيصِ الْعَامِ بِخُصُوصِ سَبَبِهِ، عِنْدَ مَنْ يُخَصِّصُ بِهِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ نُزُولَ الْآيَةِ عَلَى هَذَا السَّبَبِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَا هُوَ مِمَّا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ نظم الْآيَة الَّتِي مَعَهَا، وَمَا قَالُوهُ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ وَتَأْوِيلٌ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مَأْثُورٌ عَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْقَى أَمْرَ الِاسْتِمَاعِ عَلَى إِطْلَاقِهِ الْقَرِيبِ مِنَ الْعُمُومِ، وَلَكِنَّهُمْ تَأَوَّلُوهُ عَلَى أَمْرِ النَّدْبِ، وَهَذَا الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ، وَلَوْ قَالُوا الْمُرَادُ من قَوْله قرىء قِرَاءَةٌ خَاصَّةٌ، وَهِيَ أَنْ يَقْرَأَهُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّاسِ لِعِلْمِ مَا فِيهِ وَالْعَمَلِ بِهِ لِلْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ، لَكَانَ أَحْسَنَ تَأْوِيلًا.
وَفِي «تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ» عَنْ سَعِيدِ (بْنِ الْمُسَيِّبِ) : كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى جَوَابًا لَهُمْ وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا.
عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِخْبَارِ فِي مَحْمَلِ سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَتِلْكَ الْحَوَادِثُ حَدَثَتْ فِي الْمَدِينَةِ. أَمَّا اسْتِدْلَالُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى تَرْكِ قِرَاءَةِ
الْمَأْمُومِ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسِرًّا بِالْقِرَاءَةِ، فَالْآيَةُ بِمَعْزِلٍ عَنْهُ إِذْ لَا يَتَحَقَّقُ فِي ذَلِكَ التَّرْكِ مَعْنَى الْإِنْصَاتِ.
وَيَجِبُ التَّنَبُّهُ إِلَى أَنْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ صِيغَةٌ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ لِأَنَّ الَّذِي فِيهَا فعلان هما (قرىء) (وَاسْتَمعُوا) وَالْفِعْلُ لَا عُمُومَ لَهُ فِي الْإِثْبَاتِ.
وَمَعْنَى الشَّرْطِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ (إِذَا) يَقْتَضِي إِلَّا عُمُومَ الْأَحْوَالِ أَوِ الْأَزْمَانِ دُونَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 240
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست