responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 230
هَذِهِ الِاسْتِعَارَةُ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْءَانِ حَتَّى صَارَتْ كَالْحَقِيقَةِ.
وَالْمَعْنَى إِنْ أَلْقَى إِلَيْكَ الشَّيْطَانُ مَا يُخَالِفُ هَذَا الْأَمْرَ بِأَنْ سَوَّلَ لَكَ الْأَخْذَ بِالْمُعَاقَبَةِ أَوْ سَوَّلَ لَكَ تَرْكَ أَمْرِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ غَضَبًا عَلَيْهِمْ أَوْ يَأْسًا مِنْ هُدَاهُمْ، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْهُ لِيَدْفَعَ عَنْكَ حَرَجَهُ وَيَشْرَحَ صَدْرَكَ لِمَحَبَّةِ الْعَمَلِ بِمَا أُمِرْتَ بِهِ.
وَالِاسْتِعَاذَةُ مَصْدَرُ طَلَبِ الْعَوْذِ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهَا لِلطَّلَبِ، وَالْعَوْذُ: الِالْتِجَاءُ إِلَى شَيْءٍ يَدْفَعُ مَكْرُوهًا عَنِ الْمُلْتَجِئِ، يُقَالُ: عَاذَ بِفُلَانٍ، وَعَاذَ بِالْحَرَمِ، وَأَعَاذَهُ إِذَا مَنَعَهُ مِنَ الضُّرِّ الَّذِي عَاذَ مِنْ أَجْلِهِ.
فَأَمَرَ اللَّهُ بِدَفْعِ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ بِالْعَوْذِ بِاللَّهِ، وَالْعَوْذُ بِاللَّهِ هُوَ الِالْتِجَاءُ إِلَيْهِ بِالدُّعَاءِ بِالْعِصْمَةِ، أَوِ اسْتِحْضَارُ مَا حَدَّدَهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ حُدُودِ الشَّرِيعَةِ، وَهَذَا أَمْرٌ لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الِالْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ فِيمَا عَسُرَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ شُكْرٌ عَلَى نِعْمَةِ الرِّسَالَةِ وَالْعِصْمَةِ، فَإِنَّ الْعِصْمَةَ مِنَ الذُّنُوبِ حَاصِلَةٌ لَهُ، وَلَكِنَّهُ يَشْكُرُ اللَّهَ بِإِظْهَارِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِإِدَامَتِهَا عَلَيْهِ، وَهَذَا مِثْلُ اسْتِغْفَارِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي قَوْلِهِ
فِي حَدِيثِ «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً»
، فَالشَّيْطَانُ لَا يَيْأَسُ مِنْ إِلْقَاءِ الْوَسْوَسَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّهَا تَنْبَعِثُ عَنْهُ بِطَبْعِهِ، وَإِنَّمَا يَتَرَصَّدُ لَهُمْ مَوَاقِعَ خَفَاءِ مَقْصِدِهِ طَمَعًا فِي زَلَّةٍ تَصْدُرُ عَنْ أَحَدِهِمْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ إِغْوَاءَهُمْ، وَلكنه لَا يُفَارِقهُ رَجَاءَ حَمْلِهِمْ عَلَى التَّقْصِيرِ فِي مَرَاتِبِهِمْ، وَلَكِنَّهُ إِذَا مَا هَمَّ بِالْوَسْوَسَةِ شَعَرُوا بِهَا فَدَفَعُوهَا، وَلِذَلِكَ عَلَّمَ اللَّهُ رَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الِاسْتِعَانَةَ عَلَى دَفْعِهَا بِاللَّهِ تَعَالَى.
رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ- قَالُوا- وَأَنْتَ يَا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ «وَأَنَا وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ»
رُوِيَ قَوْلُهُ: «فَأَسْلَمَ» بِفَتْحِ الْمِيمِ بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَالْهَمْزَةُ أَصْلِيَّةٌ، صَارَ الشَّيْطَانُ الْمُقَارِنُ لَهُ مُسْلِمًا، وَهِيَ خُصُوصِيَّة للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُوِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ، وَالْهَمْزَةُ لِلْمُتَكَلِّمِ: أَيْ فَأَنَا أَسْلَمُ مِنْ وَسْوَسَتِهِ وَأَحْسَبُ أَنَّ سَبَبَ الِاخْتِلَافِ فِي الرِّوَايَةِ أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَطَقَ بِهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ. وَهَذَا الْأَمْرُ شَامِلٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَحَظُّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ أَقْوَى لِأَنَّ نَزْغَ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُمْ أَكْثَرُ، فَإِن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَيَّدٌ بِالْعِصْمَةِ فَلَيْسَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 230
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست