responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 7  صفحه : 60
وَوَجْهُ دَلَالَةِ جَعْلِ الْكَعْبَةِ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا، عَلَى كَوْنِهِ تَعَالَى يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ فِي زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ، فَلَمْ يَدْرِ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ إِلَّا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ اتَّخَذَهَا مَسْجِدًا، وَمَكَّةُ يَوْمَئِذٍ قَلِيلَةُ السُّكَّانِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِحَجِّ الْكَعْبَةِ وَبِحُرْمَةِ حَرَمِهَا وَحُرْمَةِ الْقَاصِدِينَ إِلَيْهَا، وَوَقَّتَ للنَّاس أشهرا الْقَصْد فِيهَا، وَهَدَايًا يَسُوقُونَهَا إِلَيْهَا فَإِذَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ صَلَاحٌ عَظِيمٌ وَحَوَائِلُ دُونَ مَضَارٍّ كَثِيرَةٍ بِالْعَرَبِ لَوْلَا إِيجَادُ الْكَعْبَةِ، كَمَا بَيَّنَاهُ آنِفًا. فَكَانَتِ الْكَعْبَةُ سَبَبَ بَقَائِهِمْ حَتَّى جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ. فَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي أَمَرَ بِبِنَائِهَا قَدْ عَلِمَ أَنْ سَتَكُونُ هُنَالِكَ أُمَّةٌ كَبِيرَةٌ، وَأَنْ سَتَحْمَدُ تِلْكَ الْأُمَّةُ عَاقِبَةَ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ وَمَا مَعَهُ مِنْ آثَارِهَا. وَكَانَ ذَلِكَ تَمْهِيدًا لِمَا عَلِمَهُ مِنْ بعثة مُحَمَّد- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ، وَجَعْلِهِمْ حَمَلَةَ شَرِيعَتِهِ إِلَى الْأُمَمِ، وَمَا عَقِبَ ذَلِكَ مِنْ عِظَمِ سُلْطَانِ الْمُسْلِمِينَ وَبِنَاءِ حَضَارَةِ الْإِسْلَامِ. ثُمَّ هُوَ يَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ هُوَ فِي الْأَرْضِ بِدَلِيلِ الْمُشَاهَدَةِ، أَوْ بِالتَّرَفُّعِ عَنِ
النَّقْصِ فَلَا جَرَمَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا فِي السَّمَاوَات، لأنّ السَّمَوَات إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُسَاوِيَةً لِلْأَرْضِ فِي أَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ فِيهَا، وَلَا هِيَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ، كَمَا هُوَ الِاعْتِقَادُ الْخَاصُّ، فَثَبَتَ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا فِي السَّمَاوَاتِ بِقِيَاسِ الْمُسَاوَاةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَعَالَى فِي أَرْفَعِ الْمَكَانِ وَأَشْرَفِ الْعَوَالِمَ، فَيَكُونُ عِلْمُهُ بِمَا فِي السَّمَاوَاتِ أَحْرَى مِنْ عِلْمِهِ بِمَا فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إِلَيْهِ وَهُوَ بِهَا أَعَنَى، فَيَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ.
وَأَمَّا دَلَالَةُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فَلِأَنَّ فِيمَا ثَبَتَ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ الَّذِي تَقَرَّرَ مِنْ عِلْمِهِ بِمَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَنْوَاعًا مِنَ الْمَعْلُومَاتِ جَلِيلَةً وَدَقِيقَةً فَالْعِلْمُ بِهَا قَبْلَ وُقُوعِهَا لَا مَحَالَةَ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ لَمْ يَخْلُ مِنْ جَهْلِ بَعْضِهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْجَهْلُ مُعَطِّلًا لِعِلْمِهِ بِكَثِيرٍ مِمَّا يَتَوَقَّفُ تَدْبِيرُهُ عَلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ الْمَجْهُولِ فَهُوَ مَا دَبَّرَ جَعْلَ الْكَعْبَةِ قِيَامًا وَمَا نَشَأَ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ عُمُومِ عِلْمِهِ بِالْأَشْيَاءِ وَلَوْلَا عُمُومُهُ مَا تَمَّ تَدْبِيرُ ذَلِك المقدّر.
[98، 99]

[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 98 إِلَى 99]
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 7  صفحه : 60
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست