responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 7  صفحه : 41
فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي» .
وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ فَسَّرَ الْغَيْبَ بِالدُّنْيَا. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى بِالْغَيْبِ عَنِ النَّاسِ، أَيْ فِي الْخَلْوَةِ. فَمَنْ خَافَ اللَّهَ انْتَهَى عَن الصَّيْد فِي ذَاتِ نَفْسِهِ، يَعْنِي أَنَّ الْمَجْرُورَ لِلتَّقْيِيدِ، أَيْ مَنْ يَخَافُ اللَّهَ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ الَّذِينَ يُتَّقَى إِنْكَارُهُمْ عَلَيْهِ أَوْ صَدُّهُمْ إِيَّاهُ وَأَخْذُهُمْ عَلَى يَدِهِ أَوِ التَّسْمِيعُ بِهِ، وَهَذَا يَنْظُرُ إِلَى مَا بَنَوْا عَلَيْهِ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي صَيْدٍ غَشِيَهُمْ فِي سَفَرِهِمْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ يَغْشَاهُمْ فِي رِحَالِهِمْ وَخِيَامِهِمْ، أَيْ كَانُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنْ أَخْذِهِ بِدُونِ رَقِيبٍ، أَوْ يَكُونُ الصَّيْدُ الْمُحَذَّرُ مِنْ صَيْدِهِ مُمَاثِلًا لِذَلِكَ الصَّيْدِ.
وَقَوْلُهُ: فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ تَصْرِيحٌ بِالتَّحْذِيرِ الَّذِي أَوْمَأَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَيَبْلُوَنَّكُمُ، إِذْ قَدْ أَشْعَرَ قَوْلُهُ: لَيَبْلُوَنَّكُمُ أَنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ تَحْذِيرًا مِنْ عَمِلٍ قَدْ تَسْبِقُ النَّفْسُ إِلَيْهِ. وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى التَّحْذِيرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ، أَي بعد مَا قَدَّمْنَاهُ إِلَيْكُمْ وَأَعْذَرْنَا لَكُمْ فِيهِ، فَلِذَلِكَ جَاءَتْ بَعْدَهُ فَاءُ التَّفْرِيعِ. وَالْمُرَادُ بِالِاعْتِدَاءِ الِاعْتِدَاءُ بِالصَّيْدِ، وَسَمَّاهُ اعْتِدَاءً لِأَنَّهُ إِقْدَامٌ عَلَى مُحَرَّمٍ وَانْتِهَاكٌ لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ أَوِ الْحَرَمِ.
وَقَوْلُهُ: فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ، أَيْ عِقَابٌ شَدِيدٌ فِي الْآخِرَةِ بِمَا اجْتَرَأَ عَلَى الْحَرَمِ أَوْ عَلَى الْإِحْرَامِ أَوْ كِلَيْهِمَا، وَبِمَا خَالَفَ إِنْذَارَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذِهِ إِذَا اعْتَدَى وَلَمْ يَتَدَارَكِ اعْتِدَاءَهُ بِالتَّوْبَةِ أَوِ الْكَفَّارَةِ، فَالتَّوْبَةُ مَعْلُومَةٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ، وَالْكَفَّارَةُ هِيَ جَزَاءُ الصَّيْدِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْجَزَاءَ تَكْفِيرٌ عَنْ هَذَا الِاعْتِدَاءِ كَمَا سَيَأْتِي. رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
الْعَذَابُ الْأَلِيمُ أَنَّهُ يُوسَعُ بَطْنُهُ وَظَهْرُهُ جَلْدًا وَيُسْلَبُ ثِيَابُهُ وَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» . فَالْعَذَابُ هُوَ الْأَذَى الدُّنْيَوِيُّ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ قَرَّرَتْ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ
أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَتَكُونُ الْآيَةُ الْمُوَالِيَةُ لَهَا نَسْخًا لَهَا. وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا الْعِقَابِ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْإِسْلَامِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أُبْطِلَ بِمَا فِي الْآيَةِ الْمُوَالِيَةِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَلْتَئِمُ بِهِ مَعْنَى الْآيَةِ مَعَ مَعْنَى الَّتِي تَلِيهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ مِنْ قَبِيلِ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَيَبْقَى إِثْمُ الِاعْتِدَاءِ فَهُوَ مُوجِبُ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ. فَعَلَى التَّفْسِيرِ الْمَشْهُورِ لَا يُسْقِطُهُ إِلَّا التَّوْبَةُ، وَعَلَى مَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَبْقَى الضَّرْبُ تَأْدِيبًا، وَلَكِنَّ هَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْإِسْلَامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ سَلَبَهُ كَانَ يَأْخُذُهُ فُقَرَاءُ مَكَّةَ مِثْلَ جِلَالِ الْبدن ونعالها.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 7  صفحه : 41
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست