responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 7  صفحه : 17
وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً [النَّصْر: 2] . وَكَانَ قِصَرُ الزَّمَانِ وَاتِّسَاعُ الْمَكَانِ حَائِلَيْنِ دُونَ رُسُوخِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَكَانُوا فِي حَاجَةٍ إِلَى الِانْتِهَاءِ عَنْ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ فَاشِيَةٍ فِيهِمْ فِي مُدَّةِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ، وَهِيَ أَيَّامُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَمَا تَقَدَّمَهَا وَمَا
تَأَخَّرَ عَنْهَا.
وَجُمْلَةُ وَلا تَعْتَدُوا مُعْتَرِضَةٌ، لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ تَحْرِيمَ الطَّيِّبَاتِ اعْتِدَاءٌ عَلَى مَا شَرْعَ اللَّهِ، فَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ. وَبِمَا فِي هَذَا النَّهْيِ مِنَ الْعُمُومِ كَانَتِ الْجُمْلَةُ تَذْيِيلًا.
وَالِاعْتِدَاءُ افْتِعَالُ الْعَدُوِّ، أَيِ الظُّلْمُ. وَذِكْرُهُ فِي مُقَابَلَةِ تَحْرِيمِ الطَّيِّبَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنْ تَجَاوُزِ حَدِّ الْإِذْنِ الْمَشْرُوعِ، كَمَا قَالَ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها [الْبَقَرَة: 229] . فَلَمَّا نَهَى عَنْ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ أَرْدَفَهُ بِالنَّهْيِ عَنِ اسْتِحْلَالِ الْمُحَرَّمَاتِ وَذَلِكَ بِالِاعْتِدَاءِ عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ، وَهُوَ أَشَدُّ الِاعْتِدَاءِ، أَوْ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ دُونَ حَقِّ النَّاسِ، كَتَنَاوُلِ الْخِنْزِيرِ أَوِ الْمَيْتَةِ. وَيَعُمُّ الِاعْتِدَاءُ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ جَمِيعَ جِنْسِهِ مِمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنَ الْعُدْوَانِ، وَأَعْظَمُهُ الِاعْتِدَاءُ عَلَى الضُّعَفَاءِ كَالْوَأْدِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَعَضْلِ الْأَيَامَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ تَذْيِيلٌ لِلَّتِي قَبْلَهَا لِلتَّحْذِيرِ مِنْ كُلِّ اعْتِدَاءٍ.
وَقَوْلُهُ: وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً تَأْكِيدٌ لِلنَّهْيِ عَنْ تَحْرِيمِ الطَّيِّبَاتِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ أَيْ أَنَّ اللَّهَ وَسَّعَ عَلَيْكُمْ بِالْحَلَالِ فَلَا تَعْتَدُوهُ إِلَى الْحَرَامِ فَتَكْفُرُوا النِّعْمَةَ وَلَا تَتْرُكُوهُ بِالتَّحْرِيمِ فَتُعْرِضُوا عَنِ النِّعْمَةِ.
وَاقْتُصِرَ عَلَى الْأَكْلِ لِأَنَّ مُعْظَمَ مَا حَرَّمَهُ النَّاسُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هُوَ الْمَآكِلُ. وَكَأَنَّ اللَّهَ يُعَرِّضُ بِهِمْ بِأَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِالْمُهِمَّاتِ خَيْرٌ مِنَ التَّهَمُّمِ بِالْأَكْلِ، كَمَا قَالَ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا [الْمَائِدَة: 93] الْآيَةَ. وَبِذَلِكَ أَبْطَلَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 7  صفحه : 17
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست