responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 7  صفحه : 130
وَذَكَرَ مَادَّةَ مَا مِنْهُ الْخَلْقُ بِقَوْلِهِ: مِنْ طِينٍ لِإِظْهَارِ فَسَادِ اسْتِدْلَالِهِمْ عَلَى إِنْكَارِ الْخَلْقِ الثَّانِي، لِأَنَّهُمُ اسْتَبْعَدُوا أَنْ يُعَادَ خَلْقُ الْإِنْسَانِ بَعْدَ أَنْ صَارَ تُرَابًا. وَتَكَرَّرَتْ حِكَايَةُ ذَلِكَ عَنْهُمْ فِي الْقُرْآنِ، فَقَدِ اعْتَرَفُوا بِأَنَّهُمْ يَصِيرُونَ تُرَابًا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ خُلِقُوا مِنْ تُرَابٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُقَرَّرٌ بَيْنَ النَّاسِ فِي سَائِرِ الْعُصُورِ، فَاسْتَدَلُّوا عَلَى إِنْكَارِ الْبَعْثِ بِمَا هُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يَكُونَ اسْتِدْلَالًا عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ، لِأَنَّ مَصِيرَهُمْ إِلَى تُرَابٍ يُقَرِّبُ إِعَادَةَ خَلْقِهِمْ، إِذْ صَارُوا إِلَى مَادَّةِ الْخَلْقِ الْأَوَّلِ، فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ هُنَا هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ وَقَالَ فِي آيَاتِ الِاعْتِبَارِ بِعَجِيبِ تَكْوِينِهِ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ [الْإِنْسَان:
2] ، وَأَمْثَالَ ذَلِكَ.
وَهَذَا الْقَدْحُ فِي اسْتِدْلَالِهِمْ يُسَمَّى فِي اصْطِلَاحِ عِلْمِ الْجَدَلِ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ، وَالْمُنَبَّهُ عَلَيْهِ مِنْ خَطَأِ اسْتِدْلَالِهِمْ يُسَمَّى فَسَادَ الْوَضْعِ.
وَمَعْنَى خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ أَنَّهُ خَلَقَ أَصْلَ النَّاسِ وَهُوَ الْبَشَرُ الْأَوَّلُ مِنْ طِينٍ، فَكَانَ كُلُّ الْبَشَرِ رَاجِعًا إِلَى الْخَلْقِ مِنَ الطِّينِ، فَلِذَلِكَ قَالَ خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ [الْإِنْسَان: 2] أَيِ الْإِنْسَانَ الْمُتَنَاسِلَ مِنْ أَصْلِ الْبَشَرِ.
وثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ وَالْمُهْلَةِ عَاطِفَةٌ فِعْلَ قَضى عَلَى فِعْلِ خَلَقَ فَهُوَ عَطْفُ فِعْلٍ عَلَى فِعْلٍ وَلَيْسَ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ. وَالْمُهْلَةُ هُنَا بِاعْتِبَارِ التَّوْزِيعِ، أَيْ خَلَقَ كُلَّ فَرْدٍ مِنَ الْبَشَرِ ثُمَّ قَضَى لَهُ أَجَلَهُ، أَيِ اسْتَوْفَاهُ لَهُ، فَ قَضى هُنَا لَيْسَ بِمَعْنَى (قَدَّرَ) لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْأَجَلِ مُقَارِنٌ لِلْخَلْقِ أَوْ سَابِقٌ لَهُ وَلَيْسَ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ وَلَكِنْ قَضى هُنَا بِمَعْنَى (أَوْفَى) أَجَلَ كُلِّ مَخْلُوقٍ كَقَوْلِهِ: فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ [سبأ: 14] ، أَيْ أَمَتْنَاهُ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ (ثُمَّ) لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ.
وَإِنَّمَا اخْتِيرَ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَنْهِيَةِ أَجَلِ كُلِّ مَخْلُوقٍ مِنْ طِينٍ دُونَ أَنْ يُقَالَ: إِلَى أَجَلٍ، لِأَنَّ دَلَالَةَ تَنْهِيَةِ الْأَجَلِ عَلَى إِمْكَانِ الْخَلْقِ الثَّانِي، وَهُوَ الْبَعْثُ، أَوْضَحُ مِنْ دَلَالَةِ تَقْدِيرِ الْأَجَلِ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ خَفِيٌّ وَالَّذِي يَعْرِفُهُ النَّاسُ هُوَ انْتِهَاءُ أَجَلِ الْحَيَاةِ، وَلِأَنَّ انْتِهَاءَ أَجَلِ الْحَيَاةِ مُقَدِّمَةٌ لِلْحَيَاةِ الثَّانِيَةِ.
وَجُمْلَةُ وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ثُمَّ قَضى أَجَلًا. وَجُمْلَةِ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ. وَفَائِدَةُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ إِعْلَامُ الْخَلْقِ بِأَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ آجَالَ النَّاسِ رَدًّا عَلَى

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 7  صفحه : 130
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست