responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 95
كَذَلِكَ يَصُدُّ غَيْرَهُ عَنِ الِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [الْبَقَرَة: 279] . وَإِذْ قَدْ كَانَ الْعَدْلُ بِهَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ تَجُولُ فِي تَحْدِيدِهِ أَفْهَامٌ مُخْطِئَةٌ تَعَيَّنَ أَنْ تُسَنَّ الشَّرَائِعُ لِضَبْطِهِ عَلَى حَسَبِ مَدَارِكِ الْمُشَرِّعِينَ وَمُصْطَلَحَاتِ الْمُشَرَّعِ لَهُمْ، عَلَى أَنَّهَا مُعْظَمَهَا لَمْ يَسْلَمْ مِنْ تَحْرِيفٍ لِحَقِيقَةِ الْعَدْلِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، فَإِنَّ بَعْضَ الْقَوَانِينِ أُسِّسَتْ بِدَافِعَةِ الْغَضَبِ وَالْأَنَانِيَّةِ، فَتَضَمَّنَتْ أَخْطَاءً فَاحِشَةً مِثْلَ الْقَوَانِينِ الَّتِي يُمْلِيهَا الثُّوَّارُ بِدَافِعِ الْغَضَبِ عَلَى مَنْ كَانُوا مُتَوَلِّينَ الْأُمُورَ قَبْلَهُمْ، وَبَعْضُ الْقَوَانِينِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَنْ تَخَيُّلَاتٍ وَأَوْهَامٍ، كَقَوَانِينِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْأُمَمِ الْعَرِيقَةِ فِي الْوَثَنِيَّةِ.
وَنَجِدُ الْقَوَانِينَ الَّتِي سَنَّهَا الْحُكَمَاءُ أَمْكَنَ فِي تَحْقِيقِ مَنَافِعِ الْعَدْلِ مِثْلَ قَوَانِينِ أَثِينَةَ وَإِسْبَرْطَةَ، وَأَعْلَى الْقَوَانِينِ هِيَ الشَّرَائِعُ الْإِلَهِيَّةُ لِمُنَاسَبَتِهَا لِحَالِ مَنْ شُرِّعَتْ لِأَجْلِهِمْ، وَأَعْظَمُهَا شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ لِابْتِنَائِهَا عَلَى أَسَاسِ الْمَصَالِحِ الْخَالِصَةِ أَوِ الرَّاجِحَةِ، وَإِعْرَاضِهَا عَنْ أَهْوَاءِ الْأُمَمِ وَالْعَوَائِدِ الضَّالَّةِ، فَإِنَّهَا لَا تَعْبَأُ بِالْأَنَانِيَّةِ وَالْهَوَى، وَلَا بِعَوَائِدِ الْفَسَادِ، وَلِأَنَّهَا لَا تُبْنَى عَلَى مَصَالِحِ قَبِيلَةٍ خَاصَّةٍ، أَوْ بَلَدٍ خَاصٍّ، بَلْ تُبْتَنَى عَلَى مَصَالِحِ النَّوْعِ الْبَشَرِيِّ وَتَقْوِيمِهِ وَهَدْيِهِ إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَمِنْ أَجْلِ هَذَا لَمْ يَزَلِ الصَّالِحُونَ مِنَ الْقَادَةِ يُدَوِّنُونَ بَيَانَ الْحُقُوقِ حِفْظًا لِلْعَدْلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَخَاصَّةً الشَّرَائِعَ الْإِلَهِيَّةَ، قَالَ تَعَالَى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الْحَدِيد: 25] أَيِ الْعَدْلِ. فَمِنْهَا الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ الْبَشَرِيَّةِ وَمِنْهَا مَا اسْتَنْبَطَهُ عُلَمَاءُ تِلْكَ الشَّرِيعَةِ فَهُوَ مُدْرَجٌ فِيهَا وَمُلْحَقٌ بِهَا.
وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْأَمْرُ بِالْعَدْلِ بِحَالَةِ التَّصَدِّي لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ، وَأُطْلِقَ الْأَمْرُ بِرَدِّ الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا عَنِ التَّقْيِيدِ: لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَقَعَ بِيَدِهِ أَمَانَةٌ لِغَيْرِهِ لَا سِيَّمَا عَلَى اعْتِبَارِ تَعْمِيمِ الْمُرَادِ بِالْأَمَانَاتِ الشَّامِلِ لِمَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ إِبْلَاغُهُ لِمُسْتَحِقِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ،
بِخِلَافِ الْعَدْلِ فَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهِ وُلَاةُ الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ أَهْلًا لِتَوَلِّي ذَلِكَ.
فَتِلْكَ نُكْتَةُ قَوْلِهِ: وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ الْفَخْرُ: قَوْلُهُ: وَإِذا حَكَمْتُمْ هُوَ كَالتَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِجَمِيعِ النَّاسِ أَنْ يَشْرَعُوا فِي الْحُكْمِ بَلْ ذَلِكَ لِبَعْضِهِمْ، فَالْآيَةُ مُجْمَلَةٌ فِي أَنَّهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ يَصِيرُ حَاكِمًا وَلَمَّا دَلَّتِ الدَّلَائِلُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْأُمَّةِ مِنْ إِمَامٍ وَأَنَّهُ يُنَصِّبُ الْقُضَاةَ وَالْوُلَاةَ صَارَت تِلْكَ الدَّلَائِل كالبيان لِهَذِهِ الْآيَةِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 95
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست