responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 90
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى (صَلَى) عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النِّسَاء: 10] وَقَوْلُهُ:
فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا فِي هَذِه السُّورَة [النِّسَاء: 30] ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا الْكَلَامُ عَلَى (سَوْفَ) فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ. ونُصْلِيهِمْ- بِضَمِّ النُّونِ- مِنَ الْإِصْلَاءِ. ونَضِجَتْ بلغت نِهَايَة الشّيء، يُقَالُ: نَضِجَ الشِّوَاءُ إِذَا بلغ حدّ الشّيء، وَيُقَالُ: نَضِجَ الطَّبِيخُ إِذَا بَلَغَ حَدَّ الطَّبْخِ. وَالْمَعْنَى:
كُلَّمَا احْتَرَقَتْ جُلُودُهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا حَيَاةٌ وَإِحْسَاسٌ. بَدَّلْنَاهُمْ، أَيْ عَوَّضْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا،
وَالتَّبْدِيلُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى [الْبَقَرَة: 61] . فَقَوْلُهُ: غَيْرَها تَأْكِيدٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ التَّبْدِيلِ. وَانْتَصَبَ نَارًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ أَعْطَى.
وَقَوْلُهُ: لِيَذُوقُوا الْعَذابَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: بَدَّلْناهُمْ لِأَنَّ الْجِلْدَ هُوَ الَّذِي يُوَصِّلُ إِحْسَاسَ الْعَذَابِ إِلَى النَّفْسِ بِحَسَبِ عَادَةِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَوْ لَمْ يُبَدَّلِ الْجِلْدُ بَعْدَ احْتِرَاقِهِ لَمَا وَصَلَ عَذَابُ النَّارِ إِلَى النَّفْسِ. وَتَبْدِيلُ الْجِلْدِ مَعَ بَقَاءِ نَفْسِ صَاحِبِهِ لَا يُنَافِي الْعَدْلَ لِأَنَّ الْجِلْدَ وَسِيلَةُ إِبْلَاغِ الْعَذَابِ وَلَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودُ بالتعذيب، ولأنّه ناشىء عَنِ الْجِلْدِ الْأَوَّلِ كَمَا أَنَّ إِعَادَةَ الْأَجْسَامِ فِي الْحَشْرِ بَعْدَ اضْمِحْلَالِهَا لَا يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ أُنَاسًا غَيْرَ الَّذِينَ اسْتَحَقُّوا الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ لِأَنَّهَا لَمَّا أُودِعَتِ النُّفُوسُ الَّتِي اكْتَسَبَتِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ فَقَدْ صَارَتْ هِيَ هِيَ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ إِعَادَتُهَا عَنْ إِنْبَاتٍ مِنْ أَعْجَابِ الْأَذْنَابِ، حَسْبَمَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ، لِأَنَّ النَّاشِئَ عَنِ الشَّيْءِ هُوَ مِنْهُ كَالنَّخْلَةِ مِنَ النَّوَاةِ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً وَاقِعٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهُ، فَالْعِزَّةُ يَتَأَتَّى بِهَا تَمَامُ الْقُدْرَةِ فِي عُقُوبَةِ الْمُجْتَرِئِ عَلَى اللَّهِ، وَالْحِكْمَةُ يَتَأَتَّى بِهَا تِلْكَ الْكَيْفِيَّةُ فِي إِصْلَائِهِمُ النَّارَ.
وَقَوْلُهُ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ذُكِرَ هُنَا لِلْمُقَابَلَةِ وَزِيَادَةِ الْغَيْظِ لِلْكَافِرِينَ.
وَاقْتَصَرَ مِنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ عَلَى لَذَّةِ الْجَنَّاتِ وَالْأَزْوَاجِ الصَّالِحَاتِ، لِأَنَّهُمَا أَحَبُّ اللَّذَّاتِ الْمُتَعَارَفَةِ لِلسَّامِعِينَ، فَالزَّوْجَةُ الصَّالِحَةُ آنَسُ شَيْءٍ لِلْإِنْسَانِ، وَالْجَنَّاتُ مَحَلُّ النَّعيم وَحسن المنظر.
وَقَوْلُهُ: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا هُوَ مِنْ تَمَامِ مَحَاسِنِ الْجَنَّاتِ، لِأَنَّ الظِّلَّ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الشَّمْسِ، وَذَلِكَ جَمَالُ الجنّات ولذّة التنعّم بِرُؤْيَةِ النُّورِ مَعَ انْتِفَاءِ حَرِّهِ. وَوُصِفَ بِالظَّلِيلِ وَصْفًا مُشْتَقًّا مِنِ اسْمِ الْمَوْصُوفِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى بُلُوغِهِ الْغَايَةَ فِي جِنْسِهِ، فَقَدْ يَأْتُونَ بِمِثْلِ هَذَا الْوَصْفِ بِوَزْنِ فَعِيلٍ: كَمَا هُنَا، وَقَوْلُهُمْ: دَاءٌ دَوِيٌّ، وَيَأْتُونَ بِهِ بِوَزْنِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 90
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست