responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 86
وَالطَّاغُوتُ: الْأَصْنَامُ كَذَا فَسَّرَهُ الْجُمْهُورُ هُنَا وَنُقِلَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. وَهُوَ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ فَيُقَالُ: لِلصَّنَمِ طَاغُوتٌ وَلِلْأَصْنَامِ طَاغُوتٌ، فَهُوَ نَظِيرُ طِفْلٍ وَفُلْكٍ.
وَلَعَلَّ الْتِزَامَ اقْتِرَانِهِ بِلَامِ تَعْرِيفِ الْجِنْسِ هُوَ الَّذِي سَوَّغَ إِطْلَاقَهُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ نَظِيرَ الْكِتَابِ وَالْكُتُبِ. ثُمَّ لَمَّا شَاعَ ذَلِكَ طَرَّدُوهُ حَتَّى فِي حَالَةِ تَجَرُّدِهِ عَنِ اللَّامِ، قَالَ تَعَالَى:
يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ [النِّسَاء: 60] فَأَفْرَدَهُ، وَقَالَ:
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها [الزمر: 17] ، وَقَالَ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ [الْبَقَرَة: 257] إِلَخْ. وَهَذَا الِاسْمُ مُشْتَقٌّ مَنْ طَغَى يَطْغُو إِذَا تَعَاظَمَ وَتَرَفَّعَ، وَأَصْلُهُ مَصَدْرٌ بِوَزْنِ فَعَلُوتٍ لِلْمُبَالَغَةِ، مِثْلُ: رَهَبُوتٍ، وَمَلَكُوتٍ، وَرَحَمُوتٍ، وَجَبَرُوتٍ، فَأَصْلُهُ طَغْوُوتٌ فَوَقَعَ فِيهِ قَلْبُ مَكَانِيٌّ بِتَقْدِيمِ لَامِ الْكَلِمَةِ عَلَى عَيْنِهَا فَصَارَ طَوَغُوتٌ بِوَزْنِ فَلَعُوتٍ، وَالْقَصْدُ مِنْ هَذَا الْقَلْبِ تَأَتِّي إِبْدَالِ الْوَاوِ أَلِفًا بِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، وَهُمْ قَدْ يَقْلِبُونَ حُرُوفَ الْكَلِمَةِ لِيَتَأَتَّى الْإِبْدَالُ كَمَا قَلَبُوا أَرْءَامَ جَمْعَ رِيمٍ إِلَى آرَامَ لِيَتَأَتَّى إِبْدَالُ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ السَّاكِنَةِ أَلِفًا بَعْدَ الْأُولَى الْمَفْتُوحَةِ، وَقَدْ يُنْزِلُونَ هَذَا الِاسْمَ مَنْزِلَةَ الْمُفْرَدِ فَيَجْمَعُونَهُ جَمْعَ تَكْسِيرٍ عَلَى طَوَاغِيتَ وَوَزْنُهُ فَعَالِيلُ،
وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «لَا تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِيتِ»
. وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» : الْبَحِيرَةُ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ.
وَقَدْ يُطْلَقُ الطَّاغُوتُ عَلَى عَظِيمِ أَهْلِ الشِّرْكِ كَالْكَاهِنِ، لِأَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهُ لِأَجْلِ
أَصْنَامِهِمْ، كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ فِي هَذِه السُّورَة [النِّسَاء: 60] .
وَالْآيَةُ تُشِيرُ إِلَى مَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الْيَهُودِ، وَفِيهِمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، فَإِنَّهُمْ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ طَمِعُوا أَنْ يَسْعَوْا فِي اسْتِئْصَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَخَرَجُوا إِلَى مَكَّةَ لِيُحَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَنَزَلَ كَعْبٌ عِنْدَ أَبِي سُفْيَانَ، وَنَزَلَ بَقِيَّتُهُمْ فِي دُورِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمُ الْمُشْرِكُونَ (أَنْتُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَلَعَلَّكُمْ أَنْ تَكُونُوا أَدْنَى إِلَى مُحَمَّدٍ وَأَتْبَاعِهِ مِنْكُمْ إِلَيْنَا فَلَا نَأْمَنُ مَكْرَكُمْ) فَقَالُوا لَهُمْ (إِنَّ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ أَرْضَى عِنْدَ اللَّهِ مِمَّا يَدْعُو إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ وَأَنْتُمْ أَهْدَى سَبِيلًا) فَقَالَ لَهُمُ الْمُشْرِكُونَ (فَاسْجُدُوا لِآلِهَتِنَا حَتَّى نَطْمَئِنَّ إِلَيْكُمْ) فَفَعَلُوا، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِعْلَامًا مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ بِمَا بَيَّتَهُ الْيَهُودُ وَأَهْلُ مَكَّةَ.
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِلَّذِينَ كَفَرُوا لَامُ الْعِلَّةِ، أَيْ يَقُولُونَ لِأَجْلِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَلَيْسَ لَامَ تَعْدِيَةِ فِعْلِ الْقَوْلِ، وَأُرِيدَ بِهِمْ مُشْرِكُو مَكَّةَ وَذَلِكَ اصْطِلَاحُ الْقُرْآنِ فِي إِطْلَاقِ صِفَةِ الْكُفْرِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 86
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست