responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 78
[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 47]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (47)
أَقْبَلَ عَلَى خِطَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ أُرِيدَ بِهِمُ الْيَهُودُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مِنْ عَجَائِبِ ضَلَالِهِمْ، وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، مَا فِيهِ وَازِعٌ لَهُمْ لَوْ كَانَ بِهِمْ وَزْعٌ، وَكَذَلِكَ شَأْنُ الْقُرْآنِ أَنْ لَا يُفْلِتَ فُرْصَةً تَعِنُّ مِنْ فُرَصِ الْمَوْعِظَةِ وَالْهُدَى إِلَّا انْتَهَزَهَا، وَكَذَلِكَ شَأْنُ النَّاصِحِينَ مِنَ الْحُكَمَاءِ وَالْخُطَبَاءِ أَنْ يَتَوَسَّمُوا أَحْوَالَ تَأَثُّرِ نُفُوسِ الْمُخَاطَبِينَ وَمَظَانِّ ارْعِوَائِهَا عَنِ الْبَاطِلِ، وَتَبَصُّرِهَا فِي الْحَقِّ، فَيُنْجِدُوهَا حِينَئِذٍ بِقَوَارِعِ الْمَوْعِظَةِ وَالْإِرْشَادِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَرِيرِيُّ فِي الْمَقَامَةِ (11) إِذْ قَالَ: «فَلَمَّا أَلْحَدُوا الْمَيْتَ، وَفَاتَ قَوْلُ لَيْتَ، أَشْرَفَ شَيْخٌ مِنْ رِبَاوَةْ، مُتَأَبِّطًا لِهِرَاوَةْ، فَقَالَ: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ» إِلَخْ، لِذَلِكَ جِيءَ بِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ الْآيَةَ- عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ-.
وَهَذَا مُوجِبُ اخْتِلَافِ الصِّلَةِ هُنَا عَنِ الصِّلَةِ فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ [آل عمرَان: 23] لِأَنَّ ذَلِكَ جَاءَ فِي مَقَامِ التَّعْجِيبِ وَالتَّوْبِيخِ فَنَاسَبَتْهُ صِلَةٌ مُؤْذِنَةٌ بِتَهْوِينِ شَأْنِ عِلْمِهِمْ بِمَا أُوتُوهُ مِنَ الْكِتَابِ، وَمَا هُنَا جَاءَ فِي مَقَامِ التَّرْغِيبِ فَنَاسَبَتْهُ صِلَةٌ تُؤْذِنُ بِأَنَّهُمْ شُرِّفُوا بِإِيتَاءِ التَّوْرَاةِ لِتُثِيرَ هِمَمَهُمْ لِلِاتِّسَامِ بِمِيسَمِ الرَّاسِخِينَ فِي جَرَيَانِ أَعْمَالِهِمْ عَلَى وَفْقِ مَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بَيْنَ الصِّلَتَيْنِ اخْتِلَافٌ فِي الْوَاقِعِ لِأَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ كُلَّهُ
حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأُوتُوا نَصِيبًا مِنْهُ بِاعْتِبَارِ جَرَيَانِ أَعْمَالِهِمْ عَلَى خِلَافِ مَا جَاءَ بِهِ كِتَابُهُمْ، فَالَّذِي لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ مِنْهُ كَأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْتَوْهُ.
وَجِيءَ بِالصِّلَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: بِما نَزَّلْنا وَقَوْلِهِ: «بِمَا مَعَكُمْ» دُونَ الِاسْمَيْنِ الْعَلَمَيْنِ، وَهُمَا: الْقُرْآنُ وَالتَّوْرَاةُ: لِمَا فِي قَوْلِهِ: بِما نَزَّلْنا مِنَ التَّذْكِيرِ بِعِظَمِ شَأْنِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ بِإِنْزَالِ اللَّهِ، وَلِمَا فِي قَوْلِهِ: لِما مَعَكُمْ مِنَ التَّعْرِيضِ بِهِمْ فِي أَنَّ التَّوْرَاةَ كِتَابٌ مُسْتَصْحَبٌ عِنْدَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مِنْهُ حَقَّ عِلْمِهِ وَلَا يَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ، عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً [الْجُمُعَة: 5] .

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 78
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست