responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 50
أَوَاصِرَ الْقَرَابَةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ. وَفِي الْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْأَقَارِبِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مِنْ سَفَالَةِ الْأَخْلَاقِ أَنْ يَسْتَخِفَّ أَحَدٌ بِالْقَرِيبِ لِأَنَّهُ قَرِيبُهُ، وَآمِنٌ مِنْ غَوَائِلِهِ، وَيَصْرِفَ بِرَّهُ وَوُدَّهُ إِلَى الْأَبَاعِدِ لِيَسْتَكْفِيَ شَرَّهُمْ، أَوْ لِيُذْكَرَ فِي الْقَبَائِلِ بِالذِّكْرِ الْحَسَنِ، فَإِنَّ النَّفْسَ الَّتِي يطوّعها الشرّ، وتدينها الشِّدَّةُ، لَنَفْسٌ لَئِيمَةٌ، وَكَمَا
وَرَدَ «شَرُّ النَّاسِ مَنِ اتَّقَاهُ النَّاسُ لِشَرِّهِ»
فَكَذَلِكَ نَقُولُ: «شَرُّ النَّاسِ مَنْ عَظَّمَ أَحَدًا لِشَرِّهِ» .
وَقَوْلُهُ: وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ هَذَانِ صِنْفَانِ ضَعِيفَانِ عَدِيمَا النَّصِيرِ، فَلِذَلِكَ أُوصِيَ
بِهِمَا.
وَالْجَارُ هُوَ النَّزِيلُ بِقُرْبِ مَنْزِلِكِ، وَيُطْلَقُ عَلَى النَّزِيلِ بَيْنَ الْقَبِيلَةِ فِي جِوَارِهَا، فَالْمُرَادُ بِ الْجارِ ذِي الْقُرْبى الْجَارُ النَّسِيبُ مِنَ الْقَبِيلَةِ، وَبِ الْجارِ الْجُنُبِ الْجَارُ الْغَرِيبُ الَّذِي نَزَلَ بَيْنَ الْقَوْمِ وَلَيْسَ مِنَ الْقَبِيلَةِ، فَهُوَ جُنُبٌ، أَيْ بَعِيدٌ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَانِبِ، وَهُوَ وَصْفٌ عَلَى وَزْنِ فُعُلٍ، كَقَوْلِهِمْ: نَاقَةٌ أُجُدٌ، وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُطَابِقْ مَوْصُوفَهُ، قَالَ بَلْعَاءُ بْنُ قَيْسٍ:
لَا يَجْتَوِينَا مُجَاوِرٌ أَبَدًا ... ذُو رَحِمٍ أَوْ مُجَاوِرٌ جُنُبُ
وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدَةَ فِي شِعْرِهِ الَّذِي اسْتَشْفَعَ بِهِ عِنْدَ الْمَلِكِ الْحَارِثِ ابْن جَبَلَةَ الْغَسَّانِيِّ، لِيُطْلِقَ لَهُ أَخَاهُ شَاسَا، حِينَ وَقَعَ فِي أَسْرِ الْحَارِثِ:
فَلَا تَحْرِمْنِي نائلا عَن جَنَابَة ... فَإِنِّي امْرُؤٌ وَسَطَ الْقِبَابِ غَرِيبٌ
وَفَسَّرَ بَعْضُهُمُ الْجَارَ ذَا الْقُرْبَى بِقَرِيبِ الدَّارِ، وَالْجُنُبُ بِعِيدُهَا، وَهَذَا بَعِيدٌ، لِأَنَّ الْقُرْبَى لَا تُعْرَفُ فِي الْقُرْبِ الْمَكَانِيِّ، وَالْعَرَبُ مَعْرُوفُونَ بِحِفْظِ الْجِوَارِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْجَارِ، وَأَقْوَالُهُمْ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، فَأُكِدَّ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ مِنْ مَحَامِدِ الْعَرَبِ الَّتِي جَاءَ الْإِسْلَامُ لِتَكْمِيلِهَا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْجَارِ.
وَأَكَّدَتِ السُّنَّةُ الْوِصَايَةَ بِالْجَارِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ:
فَفِي «الْبُخَارِيِّ» عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُورِّثُهُ» .
وَفِيهِ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ: أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: «وَاللَّهِ لَا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 50
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست