responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 24
شَبَهًا بِالْبَاطِلِ، إِذِ التَّبَرُّعَاتُ كُلُّهَا أَكْلُ أَمْوَالٍ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، وَالْمُعَاوَضَاتُ غَيْرُ التِّجَارَاتِ كَذَلِكَ لِأَنَّ أَخْذَ كِلَا الْمُتَعَاوِضَيْنِ عِوَضًا عَمَّا بَذَلَهُ لِلْآخَرِ مُسَاوِيًا لِقِيمَتِهِ فِي نَظَرِهِ يُطَيِّبُ نَفْسَهُ. وَأَمَّا التِّجَارَةُ فَلِأَجْلِ مَا فِيهَا مِنْ أَخْذِ الْمُتَصَدِّي للتجر مَا لَا زَائِدًا عَلَى قِيمَةِ مَا بَذَلَهُ لِلْمُشْتَرِي قَدْ تُشْبِهُ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ فَلِذَلِكَ خُصَّتْ بِالِاسْتِدْرَاكِ أَوِ الِاسْتِثْنَاءِ. وَحِكْمَةُ إِبَاحَةِ أَكْلِ الْمَالِ الزَّائِدِ فِيهَا أَنَّ عَلَيْهَا مَدَارَ رَوَاجِ السّلع الحاجية والتحسينية، وَلَوْلَا تَصَدِّي التُّجَّارِ وَجَلْبُهُمُ السِّلَعَ لَمَا وَجَدَ صَاحِبُ الْحَاجَةِ مَا يَسُدُّ حَاجَتَهُ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ. وَيُشِيرُ إِلَى هَذَا مَا فِي «الْمُوَطَّأِ» عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: فِي احْتِكَارِ الطَّعَامِ «وَلَكِنْ أَيُّمَا جَالِبٍ جَلَبَ عَلَى عَمُودِ كَبِدِهِ
فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَذَلِكَ ضَيْفُ عُمَرَ فَلْيَبِعْ كَيْفَ شَاءَ وَيُمْسِكْ كَيْفَ شَاءَ» .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً- بِرَفْعِ تِجَارَةٌ- عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ لِكَانَ مِنْ كَانَ التَّامَّةِ، أَيْ تَقَعُ. وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ- بِنَصْبِ تِجَارَةً- عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ النَّاقِصَةِ، وَتَقْدِيرُ اسْمِهَا: إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ تِجَارَةً، أَيْ أَمْوَالُ تِجَارَةٍ.
وَقَوْلُهُ: عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ صِفَةٌ لِ (تِجَارَةً) ، وَ (عَنْ) فِيهِ لِلْمُجَاوَزَةِ، أَيْ صَادِرَةٌ عَنِ التَّرَاضِي وَهُوَ الرِّضَا مِنَ الْجَانِبَيْنِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ لَفْظٍ أَوْ عُرْفٍ. وَفِي الْآيَةِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا لِقَوْلِ مَالِكٍ مِنْ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ: لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ مَنَاطَ الِانْعِقَادِ هُوَ التَّرَاضِي، وَالتَّرَاضِي يَحْصُلُ عِنْدَ التَّبَايُعِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي حُرْمَةِ الْأَمْوَالِ، وَقَدْ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبٍ نَفْسٍ» .
وَفِي خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ»
. وَتَقْدِيمُ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الْأَمْوَالِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْأَنْفُسِ، مَعَ أَنَّ الثَّانِيَ أَخْطَرُ، إِمَّا لِأَنَّ مُنَاسَبَةَ مَا قَبْلَهُ أَفْضَتْ إِلَى النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الْأَمْوَالِ فَاسْتَحَقَّ التَّقْدِيمَ لِذَلِكَ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ كَانُوا قَرِيبِي عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ أَكْلُ الْأَمْوَالِ أَسْهَلَ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ أَشَدُّ اسْتِخْفَافًا بِهِ مِنْهُمْ بِقَتْلِ الْأَنْفُسِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَقَعُ فِي مَوَاقِعِ الضَّعْفِ حَيْثُ لَا يَدْفَعُ صَاحِبُهُ عَنْ نَفْسِهِ كَالْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ وَالزَّوْجَةِ. فَآكِلُ أَمْوَالِ هَؤُلَاءِ فِي مَأْمَنٍ مِنَ التَّبِعَاتِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 24
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست