responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 227
فَقَوْلُهُ: فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما لَيْسَ هُوَ الْجَوَابُ، وَلَكِنَّهُ دَلِيلُهُ وَعِلَّتُهُ، وَالتَّقْدِيرُ: فَلَا يُهِمُّكُمْ أَمْرُهُمَا عِنْدَ التَّقَاضِي، فَاللَّهُ أَوْلَى بِالنَّظَرِ فِي شَأْنِهِمَا، وَإِنَّمَا عَلَيْكُمُ النَّظَرُ فِي الْحَقِّ.
وَلِذَلِكَ فَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا فَجَعَلَ الْمَيْلَ نَحْوَ الْمَوَالِي وَالْأَقَارِبِ مِنَ الْهَوَى، وَالنَّظَرَ إِلَى الْفَقْرِ وَالْغِنَى مِنَ الْهَوَى.
وَالْغَنِيُّ: ضِدُّ الْفَقِيرِ، فَالْغِنَى هُوَ عَدَمٌ إِلَى الِاحْتِيَاجِ إِلَى شَيْءٍ، وَهُوَ مَقُولٌ عَلَيْهِ بِالتَّفَاوُتِ، فَيُعْرَفُ بِالْمُتَعَلِّقِ كَقَوْلِهِ: «كِلَانَا غَنِيٌّ عَنْ أَخِيهِ حَيَاتَهُ» ، وَيُعْرَفُ بِالْعُرْفِ يُقَالُ:
فُلَانٌ غَنِيٌّ، بِمَعْنَى لَهُ ثَرْوَةٌ يَسْتَطِيعُ بِهَا تَحْصِيلَ حَاجَاتِهِ مِنْ غَيْرِ فَضْلٍ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ، فَوِجْدَانُ أُجُورِ الْأُجَرَاءِ غِنًى، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ مُحْتَاجًا إِلَى الْأُجَرَاءِ، لِأَنَّ وِجْدَانَ الْأُجُورِ يَجْعَلُهُ كَغَيْرِ الْمُحْتَاجِ، وَالْغِنَى الْمُطْلَقُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى.
وَالْفَقِيرُ: هُوَ الْمُحْتَاجُ إِلَّا أَنَّهُ يُقَالُ افْتَقَرَ إِلَى كَذَا، بِالتَّخْصِيصِ، فَإِذَا قِيلَ: هُوَ فَقِيرٌ، فَمَعْنَاهُ فِي الْعُرْفِ أَنَّهُ كَثِيرُ الِاحْتِيَاجِ إِلَى فَضْلِ النَّاسِ، أَوْ إِلَى الصَّبْرِ عَلَى الْحَاجَةِ لِقِلَّةِ ثَرْوَتِهِ، وَكُلُّ مَخْلُوقٍ فَقِيرٌ فَقْرًا نِسْبِيًّا، قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ [مُحَمَّد: 38] .
وَاسْمُ يَكُنْ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ عَائِدٌ إِلَى مَعْلُومٍ مِنَ السِّيَاقِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: قَوَّامِينَ
بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ
مِنْ مَعْنَى التَّخَاصُمِ وَالتَّقَاضِي. وَالتَّقْدِيرُ: إِنْ يَكُنْ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْوَصْفِ أَوْ هَذَا الْوَصْفِ، وَالْمُرَادُ الْجِنْسَانِ، وَ (أَوْ) لِلتَّقْسِيمِ، وَتَثْنِيَةُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما لِأَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى «غَنِيًّا وَفَقِيرًا» بِاعْتِبَارِ الْجِنْسِ، إِذْ لَيْسَ الْقَصْدُ إِلَى فَرْدٍ مُعَيَّنٍ ذِي غِنًى، وَلَا إِلَى فَرْدٍ مُعَيَّنٍ ذِي فَقْرٍ، بَلْ فَرْدٍ شَائِعٍ فِي هَذَا الْجِنْسِ وَفِي ذَلِكَ الْجِنْسِ.
وَقَوْلُهُ: أَنْ تَعْدِلُوا مَحْذُوفٌ مِنْهُ حَرْفُ الْجَرِّ، كَمَا هُوَ الشَّأْنُ مَعَ أَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُوفُ لَامَ التَّعْلِيلِ فَيَكُونُ تَعْلِيلًا لِلنَّهْيِ، أَيْ لَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى لِتَعْدِلُوا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُوفُ (عَنْ) ، أَيْ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى عَنِ الْعَدْلِ، أَيْ مُعْرِضِينَ عَنْهُ.
وَقَدْ عَرَفْتُ قَاضِيًا لَا مَطْعَنَ فِي ثِقَتِهِ وَتَنَزُّهِهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُبْتَلًى بِاعْتِقَادِ أَنَّ مَظِنَّةَ الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ لَيْسُوا إِلَّا ظَلَمَةً: مِنْ أَغْنِيَاءَ أَوْ رِجَالٍ. فَكَانَ يَعْتَبِرُ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ مَحْقُوقَيْنِ فَلَا يَسْتَوْفِي التَّأَمُّلَ مِنْ حُجَجِهِمَا.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 227
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست