responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 211
وَجُمْلَةُ «وَهُوَ مُحْسِنٌ» حَالٌ قُصِدَ مِنْهَا اتِّصَافُهُ بِالْإِحْسَانِ حِينَ إِسْلَامِهِ وَجْهَهُ لِلَّهِ، أَيْ خَلَعَ الشِّرْكَ قَاصِدًا الْإِحْسَانَ، أَيْ رَاغِبًا فِي الْإِسْلَامِ لِمَا رَأَى فِيهِ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى الْإِحْسَانِ.
وَمَعْنَى وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً أَنَّهُ اتَّبَعَ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ الَّتِي هِيَ عَلَى أُسُسِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ. فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْصَافٍ بِهَا يَكْمُلُ مَعْنَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَعَلَّهَا هِيَ: الْإِيمَانُ، وَالْإِحْسَانُ، وَالْإِسْلَامُ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ مَعْنَى أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: وَهُوَ مُحْسِنٌ مُخْلِصٌ رَاغِبٌ فِي الْخَيْرِ، وَأَنَّ اتِّبَاعَ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَنَى بِهِ التَّوْحِيدَ.
وَتَقَدَّمَ أَنَّ حَنِيفاً مَعْنَاهُ مَائِلًا عَنِ الشِّرْكِ أَوْ مُتَعَبِّدًا. وَإِذَا جَعَلْتَ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَهُوَ مُحْسِنٌ أَيْ عَامِلٌ الصَّالِحَاتِ كَانَ قَوْلُهُ: وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً بِمَنْزِلَةِ عَطْفِ الْمُرَادِفِ وَهُوَ بَعِيدٌ.
وَقَوْلُهُ: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا عَطَفَ ثَنَاءَ إِبْرَاهِيمَ عَلَى مَدْحِ مَنِ اتَّبَعَ دِينَهُ زِيَادَةَ تَنْوِيهٍ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ، فَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا. وَالْخَلِيلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الصَّاحِبُ الْمُلَازِمُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ صَاحِبِهِ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْخِلَالِ، وَهُوَ النَّوَاحِي الْمُتَخَلِّلَةُ لِلْمَكَانِ فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ [النُّور: 43] فَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً [الْكَهْف: 33] . هَذَا أَظْهَرُ الْوُجُوهِ فِي اشْتِقَاقِ الْخَلِيلِ. وَيُقَالُ: خِلٌّ وَخُلٌّ- بِكَسْرِ الْخَاءِ وَضَمِّهَا- وَمُؤَنَّثُهُ: خُلَّةٌ- بِضَمِّ الْخَاءِ-، وَلَا يُقَالُ- بِكَسْرِ الْخَاءِ-، قَالَ كَعْبٌ:
أَكْرِمْ بِهَا خُلَّةً لَوْ أَنَّهَا صَدَقَتْ وَجَمْعُهَا خَلَائِلُ. وَتُطْلَقُ الْخُلَّةُ- بِضَمِّ الْخَاءِ- عَلَى الصُّحْبَةِ الْخَالِصَةِ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ [الْبَقَرَة: 254] ، وَجَمْعُهَا خِلَالٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ [إِبْرَاهِيم: 31] . وَمَعْنَى اتِّخَاذِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا شدّة رضى اللَّهِ عَنْهُ، إِذْ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ الْخُلَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ تَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ فَأُرِيدَ لوازمها وَهِي الرضى، وَاسْتِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَذِكْرُهُ بِخَيْرٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَجُمْلَةُ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِلَخْ تَذْيِيلٌ جُعِلَ كَالِاحْتِرَاسِ، عَلَى
أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَلِيلِ لَازِمُ مَعْنَى الْخُلَّةِ، وَلَيْسَتْ هِيَ كَخُلَّةِ النَّاسِ مُقْتَضِيَةً الْمُسَاوَاةَ أَوِ التَّفْضِيلَ، فَالْمُرَادُ مِنْهَا الْكِنَايَةُ عَنْ عُبُودِيَّةِ إِبْرَاهِيمَ فِي جُمْلَةِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ. وَالْمُحِيط: الْعَلِيم.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 211
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست