responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 208
(124)
الْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ: لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِلتَّنْوِيهِ بِفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، وَالتَّشْوِيهِ بِمَسَاوِيهَا، وَأَنَّ فِي (لَيْسَ) ضَمِيرًا عَائِدًا عَلَى الْجَزَاءِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: يُجْزَ بِهِ، أَيْ لَيْسَ الْجَزَاءُ تَابِعًا لِأَمَانِيِّ النَّاسِ وَمُشْتَهَاهُمْ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ مُقَدَّرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى تَقْدِيرًا بِحَسَبَ الْأَعْمَالِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا أَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ تَذْيِيلٍ مُشْعِرٍ بِالنِّهَايَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النِّسَاء: 122] . وَمِمَّا يُرَجِّحُهُ أَنَّ فِي ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ إِبْهَامًا فِي الضَّمِيرِ، ثُمَّ بَيَانا لَهُ بالحملة بَعْدَهُ، وَهِيَ: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَأَنَّ فِيهِ تَقْدِيمُ جُمْلَةِ لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ عَنْ مَوْقِعِهَا الَّذِي يُتَرَقَّبُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ، فَكَانَ تَقْدِيمُهَا إِظْهَارًا لِلِاهْتِمَامِ بِهَا، وَتَهْيِئَةً لِإِبْهَامِ الضَّمِيرِ. وَهَذِهِ كُلُّهَا خَصَائِصُ مِنْ طُرُقِ الْإِعْجَازِ فِي النَّظْمِ. وَجُمْلَةُ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَنْ جُمْلَةِ لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ لِأَنَّ السَّامِعَ يَتَسَاءَلُ عَنْ بَيَانِ هَذَا النَّفْيِ الْمُجْمَلِ. وَلِهَذَا الِاسْتِئْنَافُ مَوْقِعٌ مِنَ الْبَلَاغَةِ وَخُصُوصِيَّةٌ تَفُوتُ بِغَيْرِ هَذَا النَّظْمِ الَّذِي فَسَّرْنَاهُ. وَجَعَلَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ عَائِدًا عَلَى وَعْدِ اللَّهِ، أَيْ لَيْسَ وَعْدُ اللَّهِ بِأَمَانِيِّكُمْ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مِنْ تَكْمِلَةِ الْكَلَامِ السَّابِقِ حَالًا مِنْ وَعْدَ اللَّهِ [النِّسَاء: 122] ، وَتَكُونُ جُمْلَةُ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا مَحْضًا.
رَوَى الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ بِسَنَدِهِ إِلَى أَبِي صَالِحٍ، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدِهِ إِلَى مَسْرُوقٍ، وَقَتَادَةَ، وَالسُّدِّيِّ، وَالضَّحَّاكِ، وَبَعْضُ الرِّوَايَاتِ يَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ، أَنَّ سَبَبَ
نُزُولِهَا: أَنَّهُ وَقَعَ تَحَاجٌّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ: الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، كُلُّ فَرِيقٍ يَقُولُ لِلْآخَرَيْنِ: نَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ، وَيَحْتَجُّ لِذَلِكَ وَيَقُولُ: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى دِينِنَا.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ الْآيَات مُبين أَنَّ كُلَّ مَنِ اتَّبَعَ هُدَى اللَّهِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَكُلَّ مَنْ ضَلَّ وَخَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ فَهُوَ مُجَازًى بِسُوءِ عَمِلِهِ، فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْيَهُودِ قَبْلَ بَعْثَةِ عِيسَى وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى دِينِ عِيسَى، فَبَطَلَ قَوْلُ النَّصَارَى: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى دِينِنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا بِمُوسَى وَعِيسَى قَبْلَ بَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَبَطَلَ قَوْلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى دِينِنَا فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ حَكَمًا فَصْلًا بَيْنَ الْفِرَقِ، وَتَعْلِيمًا لَهُمْ أَنْ يَنْظُرُوا فِي تَوَفُّرِ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ الصَّحِيحِ، وَتَوَفُّرِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَعَهُ، وَلِذَلِكَ جَمَعَ اللَّهُ أَمَانِيَّ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ بِقَوْلِهِ:

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 208
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست