responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 19
وَالْإِرَادَةُ: الْقَصْدُ وَالْعَزْمُ عَلَى الْعَمَلِ، وَتُطْلَقُ عَلَى الصِّفَةِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي تُخَصِّصُ الْمُمْكِنَ بِبَعْضِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ. وَالِامْتِنَانُ بِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ تَوْضِيحِ الْأَحْكَامِ قَدْ حَصَلَتْ إِرَادَتُهُ فِيمَا مضى، وإنّا عُبِّرَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ هُنَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَجَدُّدِ الْبَيَانِ وَاسْتِمْرَارِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ التَّشْرِيعَاتِ دَائِمَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ تَكُونُ بَيَانًا لِلْمُخَاطَبِينَ وَلِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ، وَلِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُبْقِي بَعْدَهَا بَيَانًا مُتَعَاقِبًا.
وَقَوْلُهُ: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ انتصب فعل (لِيُبَيِّنَ) بِأَن الْمَصْدَرِيَّةِ مَحْذُوفَةٍ، وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مَفْعُولُ (يُرِيدُ) ، أَيْ يُرِيدُ اللَّهُ الْبَيَانَ لَكُمْ وَالْهُدَى وَالتَّوْبَةَ، فَكَانَ أَصْلُ الِاسْتِعْمَالِ ذِكْرَ (أَنْ) الْمَصْدَرِيَّةِ، وَلِذَلِكَ فَاللَّامُ هُنَا لِتَوْكِيدِ مَعْنَى الْفِعْلِ الَّذِي قَبْلَهَا، وَقَدْ شَاعَتْ زِيَادَةُ هَذِهِ اللَّامُ بَعْدَ مَادَّةِ الْإِرَادَةِ وَبَعْدَ مَادَّةِ الْأَمر معاقبة لِأَن الْمَصْدَرِيَّةِ. تَقُولُ، أُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ وَأُرِيدُ لِتَفْعَلَ، وَقَالَ تَعَالَى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ [التَّوْبَة: 32] وَقَالَ:
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ [الصَّفّ: 8] وَقَالَ: وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [غَافِر: 66] وَقَالَ: وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ [الشورى: 15] فَإِذا جاؤوا بِاللَّامِ أَشْبَهَتْ لَامَ التَّعْلِيلِ فَقَدَّرُوا (أَنْ) بَعْدَ اللَّامِ المؤكّدة كَمَا قد روها بَعْدَ لَامِ كَيْ لِأَنَّهَا أَشْبَهَتْهَا فِي الصُّورَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْفَرَّاءُ: اللَّامُ نَائِبَةٌ عَنْ أَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ. وَإِلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» .
وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: هِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ أَيْ لَامُ كَيْ، وَأَنَّ مَا بَعْدَهَا عِلَّةٌ، وَمَفْعُولُ الْفِعْلِ الَّذِي قَبْلَهَا مَحْذُوفٌ يُقَدَّرُ بِالْقَرِينَةِ، أَيْ يُرِيدُ اللَّهُ التَّحْلِيلَ وَالتَّحْرِيمَ لِيُبَيِّنَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَّرَ قَوْلَ سِيبَوَيْهِ بِأَنَّ الْمَفْعُولَ الْمَحْذُوفَ دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ فَيُقَدَّرُ: يُرِيدُ اللَّهُ الْبَيَانَ لِيُبَيِّنَ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُبَالَغَةً بِجَعْلِ الْعِلَّةِ نَفْسَ الْمُعَلَّلِ.
وَقَالَ الْخَلِيلُ، وَسِيبَوَيْهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: اللَّامُ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ هُوَ خَبَرٌ عَنِ الْفِعْلِ السَّابِقِ،
وَذَلِكَ الْفِعْلُ مُقَدَّرٌ بِالْمَصْدَرِ دُونَ سَابِكٍ عَلَى حَدِّ «تَسْمَعُ بِالْمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ» أَيْ إِرَادَةُ اللَّهِ كَائِنَةٌ لِلْبَيَانِ، وَلَعَلَّ الْكَلَامَ عِنْدَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ كَأَنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ انْحَصَرَتْ فِي ذَلِكَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ: هَذِهِ اللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، لِأَنَّ لَامَ التَّقْوِيَةِ إِنَّمَا يُجَاءُ بِهَا إِذَا ضَعُفَ الْعَامِلُ بِالْفَرْعِيَّةِ أَوْ بِالتَّأَخُّرِ. وَأَحْسَنُ الْوُجُوهِ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ، بِدَلِيلِ دُخُولِ اللَّامِ عَلَى كَيْ فِي قَوْلِ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْخَزْرَجِيِّ.
أَرَدْتُ لِكَيْمَا يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهَا ... سَرَاوِيلُ قَيْسٍ وَالْوُفُودُ شُهُودُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 19
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست