responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 159
ثُمَّ دَاوَى تِلْكَ الْجِرَاحَ الْبَشَرِيَّةَ بِإِيجَادِ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ فِي مُنَاسَبَاتٍ دِينِيَّةٍ جَمَّةٍ: مِنْهَا وَاجِبَةٌ، وَمِنْهَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا. وَمِنَ الْأَسْبَابِ الْوَاجِبَةِ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ الْمَذْكُورَةُ هُنَا. وَقَدْ جُعِلَتْ كَفَّارَةُ قَتْلِ الْخَطَأِ أَمْرَيْنِ: أَحَدِهِمَا تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَقَدْ جُعِلَ هَذَا التَّحْرِيرُ بَدَلًا مِنْ تَعْطِيلِ حَقِّ اللَّهِ فِي ذَاتِ الْقَتِيلِ، فَإِنَّ الْقَتِيلَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَيُرْجَى مِنْ نَسْلِهِ مَنْ يَقُومُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ دِينِهِ، فَلَمْ يَخْلُ الْقَاتِلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فَوَّتَ بِقَتْلِهِ هَذَا الْوَصْفَ، وَقَدْ نَبَّهَتِ الشَّرِيعَةُ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ، وَأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ مَوْتٌ فَمَنْ تَسَبَّبَ فِي مَوْتِ نَفْسٍ حَيَّةٍ كَانَ عَلَيْهِ السَّعْيُ فِي إِحْيَاءِ نَفْسٍ كَالْمَيِّتَةِ وَهِيَ الْمُسْتَعْبَدَةُ. وَسَنَزِيدُ هَذَا بَيَانًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ [20] ، فَإِنَّ تَأْوِيلَهُ أَنَّ اللَّهَ أَنْقَذَهُمْ مِنَ اسْتِعْبَادِ الْفَرَاعِنَةِ فَصَارُوا كَالْمُلُوكِ لَا يَحْكُمُهُمْ غَيْرُهُمْ.
وَثَانِيهُمَا الدِّيَةُ. وَالدِّيَةُ مَالٌ يُدْفَعُ لِأَهْلِ الْقَتِيلِ خَطَأً، جَبْرًا لِمُصِيبَةِ أَهْلِهِ فِيهِ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ نَقْدَيْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا، كَمَا سَيَأْتِي.
وَالدِّيَةُ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعَرَبِ بِمَعْنَاهَا وَمَقَادِيرِهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يُفَصِّلْهَا الْقُرْآنُ. وَقَدْ كَانَ الْعَرَبُ جَعَلُوا الدِّيَةَ عَلَى كَيْفِيَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَكَانَتْ عِوَضًا عَنْ دَمِ الْقَتِيلِ فِي الْعَمْدِ وَفِي الْخَطَأِ، فَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَكَانُوا يَتَعَيَّرُونَ بِأَخْذِهَا. قَالَ الْحَمَاسِيُّ:
فَلَوْ أَنَّ حَيًّا يَقْبَلُ الْمَالَ فِدْيَةً ... لَسُقْنَا لَهُمْ سَيْبًا مِنَ الْمَالِ مُفْعَمَا

وَلَكِنْ أَبَى قَوْمٌ أُصِيبَ أَخُوهُمُ ... رِضَى الْعَارِ فَاخْتَارُوا عَلَى اللَّبَنِ الدَّمَا
وَإِذَا رَضِيَ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ بِدِيَةٍ بِشَفَاعَةِ عُظَمَاءِ الْقَبِيلَةِ قَدَّرُوهَا بِمَا يَتَرَاضَوْنَ عَلَيْهِ. قَالَ زُهَيْرٌ:
تُعَفَّى الْكُلُومُ بِالْمِئِينَ فَأَصْبَحَتْ ... يُنَجِّمُهَا مَنْ لَيْسَ فِيهَا بِمُجْرِمِ
وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَكَانُوا لَا يَأْبَوْنَ أَخْذَ الدِّيَةِ، قِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ عَشَرَةٌ مِنَ الْإِبِلِ وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ جَعَلَهَا مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، إِذْ فَدَى وَلَدَهُ عَبْدَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ نَذَرَ ذَبْحَهُ لِلْكَعْبَةِ بِمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ، فَجَرَتْ فِي قُرَيْشٍ كَذَلِكَ، ثُمَّ تَبِعَهُمُ الْعَرَبُ، وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ جَعَلَ الدِّيَةَ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ أَبُو سَيَّارَةَ عُمَيْلَةُ الْعَدَوَانِيُّ، وَكَانَتْ دِيَةُ الْمَلِكِ أَلْفًا مِنَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 159
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست