responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 137
[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 82]
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82)
الْفَاءُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْكَلَامِ السَّابِقِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ أَوِ الْكَفَرَةِ الصُّرَحَاءِ وَبِتَوَلِّيهِمُ الْمُعَرَّضَ بِهِمْ فِي شَأْنِهِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً [النِّسَاء: 80] ، وبقولهم طاعَةٌ [النِّسَاء: 81] ، ثُمَّ تَدْبِيرُ الْعِصْيَانِ فِيمَا وُعِدُوا بِالطَّاعَةِ فِي شَأْنِهِ. وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ أَثَرًا مِنْ آثَارِ اسْتِبْطَانِ الْكُفْرِ، أَوِ الشَّكِّ، أَوِ اخْتِيَارِ مَا هُوَ فِي نَظَرِهِمْ أَوْلَى مِمَّا أُمِرُوا بِهِ، وَكَانَ اسْتِمْرَارُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، مَعَ ظُهُورِ دَلَائِلِ الدِّينِ، مُنْبِئًا بِقِلَّةِ تَفَهُّمِهِمُ الْقُرْآنَ، وَضَعْفِ اسْتِفَادَتِهِمْ، كَانَ الْمَقَامُ لِتَفْرِيعِ الِاسْتِفْهَامِ عَنْ قِلَّةِ تَفَهُّمِهِمْ. فَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّعْجِيبِ مِنْهُمْ فِي اسْتِمْرَارِ جَهْلِهِمْ مَعَ تَوَفُّرِ أَسْبَابِ التَّدْبِيرِ لَدَيْهِمْ.
تَحَدَّى اللَّهُ تَعَالَى هَؤُلَاءِ بِمَعَانِي الْقُرْآنِ، كَمَا تَحَدَّاهُمْ بِأَلْفَاظِهِ، لِبَلَاغَتِهِ إِذْ كَانَ الْمُنَافِقُونَ قَدْ شَكُّوا فِي أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَلِذَلِكَ يُظْهِرُونَ الطَّاعَةَ بِمَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ، فَإِذَا خَرَجُوا مِنْ مَجْلِسِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ لِعَدَمِ ثِقَتِهِمْ، وَيُشَكِّكُونَ وَيَشُكُّونَ إِذَا بَدَا لَهُمْ شَيْءٌ مِنَ التَّعَارُضِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَدْبِيرِ الْقُرْآنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ
[آل عمرَان: 7] الْآيَةَ.
وَالتَّدَبُّرُ مُشْتَقٌّ مِنَ الدُّبُرِ، أَيِ الظَّهْرِ، اشْتَقُّوا مِنَ الدُّبُرِ فِعْلًا، فَقَالُوا: تَدَبَّرَ إِذَا نَظَرَ فِي دُبُرِ الْأَمْرِ، أَيْ فِي غَائِبِهِ أَوْ فِي عَاقِبَتِهِ، فَهُوَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي اشْتُقَّتْ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْجَامِدَةِ.
وَالتَّدَبُّرُ يَتَعَدَّى إِلَى الْمُتَأَمِّلِ فِيهِ بِنَفْسِهِ، يُقَالُ: تَدَبَّرَ الْأَمْرَ. فَمَعْنَى يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ يَتَأَمَّلُونَ دَلَالَتَهُ، وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَأَمَّلُوا دَلَالَةَ تَفَاصِيلِ آيَاتِهِ عَلَى مَقَاصِدِهِ الَّتِي أَرْشَدَ إِلَيْهَا الْمُسْلِمِينَ، أَيْ تَدَبُّرُ تَفَاصِيلِهِ وَثَانِيهُمَا أَنْ يَتَأَمَّلُوا دَلَالَةَ جُمْلَةِ الْقُرْآنِ بِبَلَاغَتِهِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ صَادِقٌ. وَسِيَاقُ هَذِهِ الْآيَاتِ يُرَجِّحُ حَمْلَ التَّدَبُّرِ هُنَا عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، أَيْ لَوْ تَأَمَّلُوا وَتَدَبَّرُوا هَدْيَ الْقُرْآنِ لَحَصَلَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 137
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست