responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 132
وَاللَّهُ نَصَبَ الْأَدِلَّةَ لِلنَّاسِ عَلَى الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ الَّتِي تُكْتَسَبُ بِمُخْتَلِفِ الْأَدِلَّةِ الضَّرُورِيَّةِ، وَالْعَقْلِيَّةِ، وَالْعَادِيَّةِ، وَالشَّرْعِيَّةِ، وَعَلَّمَ طَرَائِقَ الْوُصُولِ إِلَيْهَا، وَطَرَائِقَ الْحَيْدَةِ عَنْهَا، وَأَرْشَدَ إِلَى مَوَانِعِ التَّأْثِيرِ لِمَنْ شَاءَ أَنْ يُمَانِعَهَا، وَبَعَثَ الرُّسُلَ وَشَرَعَ الشَّرَائِعَ فَعَلَّمَنَا بِذَلِكَ كُلِّهِ أَحْوَالَ الْأَشْيَاءِ وَمَنَافِعَهَا وَمَضَارَّهَا، وَعَوَاقِبَ ذَلِكَ الظَّاهِرَةَ وَالْخَفِيَّةَ، فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَأَكْمَلَ الْمِنَّةَ، وَأَقَامَ الْحُجَّةَ، وَقَطَعَ الْمَعْذِرَةَ، فَهَدَى بِذَلِكَ وَحَذَّرَ إِذْ خَلَقَ الْعُقُولَ وَوَسَائِلَ الْمَعَارِفِ، وَنَمَّاهَا بِالتَّفْكِيرَاتِ والْإِلْهَامَاتِ، وَخَلَقَ الْبَوَاعِثَ عَلَى التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ، فَهَذَا الْجُزْءُ أَيْضًا لِلَّهِ وَحْدَهُ. وَأَمَّا الْأَسْبَابُ الْمُقَارِنَةُ لِلْحَوَادِثِ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ وَالْجَانِيَةِ لِجَنَاهَا حِينَ تُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنَ الِاهْتِدَاءِ إِلَى وَسَائِلِ مُصَادَفَةِ الْمَنَافِعِ، وَالْجَهْلِ بِتِلْكَ الْوَسَائِلِ، وَالْإِغْضَاءِ عَنْ مَوَانِعَ الْوُقُوعِ فِيهَا فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَذَلِكَ بِمِقْدَارِ مَا يُحَصِّلُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ وَسَائِلِ الرَّشَادِ، وَبِاخْتِيَارِهِ الصَّالِحَ لاجتناء الْخَيْر، ومقدارا ضِدِّ ذَلِكَ: مِنْ غَلَبَةِ الْجَهْلِ، أَوْ غَلَبَةِ الْهَوَى، وَمِنَ الِارْتِمَاءِ فِي الْمَهَالِكِ بِدُونِ تَبَصُّرٍ، وَذَلِكَ جُزْءٌ صَغِيرٌ فِي جَانِبِ الْأَجْزَاءِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا، وَهَذَا الْجُزْءُ جَعَلَ اللَّهُ لِلْإِنْسَانِ حَظًّا فِيهِ، مَلَّكَهُ إِيَّاهُ، فَإِذَا جَاءَتِ الْحَسَنَةُ أَحَدًا فَإِنَّ مَجِيئَهَا إِيَّاهُ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لَا مَحَالَةَ مِمَّا لَا صَنْعَةَ لِلْعَبْدِ فِيهِ، أَوْ بِمَا أَرْشَدَ اللَّهُ بِهِ الْعَبْدَ حَتَّى عَلِمَ طَرِيقَ اجْتِنَاءِ الْحَسَنَةِ، أَيِ الشَّيْءِ الْمُلَائِمِ وَخَلَقَ لَهُ اسْتِعْدَادَهُ لِاخْتِيَارِ الصَّالِحِ فِيمَا لَهُ فِيهِ اخْتِيَارٌ مِنَ الْأَفْعَالِ النَّافِعَةِ حَسْبَمَا أَرْشَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَكَانَتِ الْمِنَّةُ فِيهَا لِلَّهِ وَحْدَهُ، إِذْ لَوْلَا لُطْفُهُ وَإِرْشَادُهُ وَهَدْيُهُ، لَكَانَ الْإِنْسَانُ فِي حَيْرَةٍ، فَصَحَّ أَنَّ الْحَسَنَةَ مِنَ اللَّهِ، لِأَنَّ أَعْظَمَ الْأَسْبَابِ أَوْ كُلَّهَا مِنْهُ.
أَمَّا السَّيِّئَةُ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ تَأْتِي بِتَأْثِيرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَكِنَّ إِصَابَةَ مُعْظَمِهَا الْإِنْسَانَ يَأْتِي مِنْ جَهْلِهِ، أَوْ تَفْرِيطِهِ، أَوْ سُوءِ نَظَرِهِ فِي الْعَوَاقِبِ، أَوْ تَغْلِيبِ هَوَاهُ عَلَى رُشْدِهِ، وَهُنَالِكَ
سَيِّئَاتُ الْإِنْسَانِ مِنْ غَيْرِ تَسَبُّبِهِ مِثْلَ مَا أَصَابَ الْأُمَمَ مِنْ خَسْفٍ وَأَوْبِئَةٍ، وَذَلِكَ نَادِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِأَكْثَرِ السَّيِّئَاتِ، عَلَى أَنَّ بَعْضًا مِنْهُ كَانَ جَزَاءً عَلَى سُوءِ فِعْلٍ، فَلَا جَرَمَ كَانَ الْحَظُّ الْأَعْظَمُ فِي إِصَابَةِ السَّيِّئَةِ الْإِنْسَانَ لِتَسَبُّبِهِ مُبَاشَرَةً أَوْ بِوَاسِطَةٍ، فَصَحَّ أَنْ يُسْنِدَ تَسَبُّبَهَا إِلَيْهِ، لِأَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي هُوَ لِلَّهِ وَحْدَهُ مِنْهَا هُوَ الْأَقَلُّ. وَقَدْ فَسَّرَ هَذَا الْمَعْنَى مَا
وَرَدَ فِي «الصَّحِيحِ» ، فَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ «لَا يُصِيبُ عَبْدًا نَكْبَةٌ فَمَا فَوْقَهَا أَوْ مَا دُونَهَا إِلَّا بِذَنْبٍ وَمَا يَعْفُو اللَّهُ أَكْثَرُ»
.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 132
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست