responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 118
وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَغْتَرُّوا بِمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ مِنْ هُدْنَةِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ وَأَنْصَارَهُ يَتَرَبَّصُونَ بِهِمُ الدَّوَائِرَ، وَمِنْ بَيْنِهِمْ مُنَافِقُونَ هُمْ أَعْدَاءٌ فِي صُورَةِ أَوْلِيَاءَ، وَهُمُ الَّذِينَ عُنُوا بِقَوْلِهِ: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ- إِلَى- فَوْزاً عَظِيماً.
وَلَفْظُ خُذُوا اسْتِعَارَةٌ لِمَعْنَى شِدَّةِ الْحَذَرِ وَمُلَازَمَتِهِ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْأَخْذِ تَنَاوُلُ الشَّيْءِ الَّذِي كَانَ بَعِيدًا عَنْكَ. وَلَمَّا كَانَ النِّسْيَانُ وَالْغَفْلَةُ يُشْبِهَانِ الْبُعْدَ وَالْإِلْقَاءَ كَانَ التَّذَكُّرُ وَالتَّيَقُّظُ يُشْبِهَانِ أَخْذَ الشَّيْءِ بَعْدَ إِلْقَائِهِ، كَقَوْلِهِ: خُذِ الْعَفْوَ [الْأَعْرَاف: 199] ، وَقَوْلِهِمْ: أَخَذَ عَلَيْهِ عَهْدًا وَمِيثَاقًا. وَلَيْسَ الْحَذَرُ مَجَازًا فِي السِّلَاحِ كَمَا تَوَهَّمَهُ كَثِيرٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النِّسَاء: 102] . فَعَطَفَ السِّلَاحَ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً تَفْرِيعٌ عَنْ أَخْذِ الْحَذَرِ لِأَنَّهُمْ إِذَا أَخَذُوا حِذْرَهُمْ تَخَيَّرُوا أَسَالِيبَ الْقِتَالِ بِحَسَبِ حَالِ الْعَدُوِّ. وانْفِرُوا بِمَعْنَى اخْرُجُوا لِلْحَرْبِ، وَمَصْدَرُهُ النَّفْرُ، بِخِلَافِ نَفَرَ ينفر- بضمّ الْعين- فِي الْمُضَارِعِ فَمَصْدَرُهُ النُّفُورُ.
وَ (ثُبَاتٍ) بِضَمِّ الثَّاءِ جَمْعُ ثُبَةٍ- بِضَمِّ الثَّاءِ أَيْضًا- وَهِيَ الْجَمَاعَةُ، وَأَصْلُهَا ثُبَيَةٌ أَوْ ثُبَوَةٌ بِالْيَاءِ أَو بِالْوَاو، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا بِالْوَاوِ، لِأَنَّ الْكَلِمَاتِ الَّتِي بَقِيَ مِنْ أُصُولِهَا حَرْفَانِ وَفِي آخرهَا هَاء للتأنيث أَصْلُهَا الْوَاوُ نَحْوَ عِزَةٌ وَعِضَةٌ فَوَزْنُهَا فِعَةٌ، وَأَمَّا ثُبَةُ الْحَوْضِ، وَهِيَ وَسَطُهُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ فَهِيَ مِنْ ثَابَ يَثُوبُ إِذَا رَجَعَ، وَأَصْلُهَا ثُوَبَةٌ فَخُفِّفَتْ فَصَارَتْ بِوَزْنِ فُلَةٍ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا تُصَغَّرُ عَلَى ثُوَيْبَةٍ، وَأَنَّ الثُّبَةَ بِمَعْنَى الْجَمَاعَةِ تُصَغَّرُ عَلَى ثُبَيَّةٍ. قَالَ النَّحَّاسُ: «رُبَّمَا تَوَهَّمَ الضَّعِيفُ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُمَا وَاحِدٌ مَعَ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا» وَمَعَ هَذَا فَقَدَ جَعَلَهُمَا صَاحِبُ «الْقَامُوسِ» مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ وَهُوَ حَسَنٌ، إِذْ قَدْ تَكُونُ ثُبَةُ الْحَوْضِ مَأْخُوذَةً مِنَ الِاجْتِمَاعِ إِلَّا إِذَا ثَبَتَ اخْتِلَافُ التَّصْغِيرِ بِسَمَاعٍ صَحِيحٍ.
وَانْتَصَبَ ثُباتٍ عَلَى الْحَالِ، لِأَنَّهُ فِي تَأْوِيلِ: مُتَفَرِّقِينَ، وَمَعْنَى جَمِيعاً جَيْشًا وَاحِدًا.
وَقَوْلُهُ: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ أَيْ مِنْ جَمَاعَتِكُمْ وَعِدَادِكُمْ، وَالْخَبَرُ الْوَارِدُ فِيهِمْ ظَاهِرٌ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ فِي خَلْوَتِهِمْ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِنْ أَبْطَأَ عَنِ الْجِهَادِ لَا يَقُولُ: «قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا» ، فَهَؤُلَاءِ مُنَافِقُونَ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِمِثْلِ هَذَا صَرَاحَةً فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ: بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً إِلَى قَوْلِهِ:

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 118
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست