responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 84
وَأَرَادُوا بِالْبَيْعِ هُنَا بَيْعَ التِّجَارَةِ لَا بَيْعَ الْمُحْتَاجِ سِلْعَتَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى جَوَابٌ لَهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ إِعْرَاضٌ عَنْ مُجَادَلَتِهِمْ إِذْ لَا جَدْوَى فِيهَا لِأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ كُفْرًا وَنِفَاقًا فَلَيْسُوا مِمَّنْ تَشْمَلُهُمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ. وَهُوَ إِقْنَاعٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ مَا قَالَهُ الْكُفَّارُ هُوَ شُبْهَةٌ مَحْضَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ الْعَلِيمَ قَدْ حَرَّمَ هَذَا وأباح ذَلِك، وَمَا ذَلِك إلّا لحكمة وَفُرُوقٌ مُعْتَبَرَةٌ لَوْ تَدَبَّرَهَا أَهْلُ التَّدَبُّرِ لَأَدْرَكُوا الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْجَوَابِ كَشْفٌ لِلشُّبْهَةِ فَهُوَ مِمَّا وَكَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَعْرِفَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، مَعَ أَنَّ ذِكْرَ تَحْرِيمِ الرِّبَا عَقِبَ التَّحْرِيضِ عَلَى الصَّدَقَاتِ يُومِئُ إِلَى كَشْفِ الشُّبْهَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَبْنَى شُبْهَةِ الْقَائِلِينَ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا أَنَّ التِّجَارَةَ فِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى ثَمَنِ الْمَبِيعَاتِ لِقَصْدِ انْتِفَاعِ التَّاجِرِ فِي مُقَابَلَةِ جَلْبِ السِّلَعِ وَإِرْصَادِهَا لِلطَّالِبِينَ فِي الْبَيْعِ النَّاضِّ، ثُمَّ لِأَجْلِ انْتِظَارِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمُؤَجَّلِ، فَكَذَلِكَ إِذَا أَسْلَفَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَثَلًا عَلَى أَنَّهُ يُرْجِعُهَا لَهُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَهُوَ قَدْ أَعْطَاهُ هَذَا الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ لِأَجْلِ إِعْدَادِ مَالِهِ لِمَنْ يَسْتَسْلِفُهُ لِأَنَّ الْمُقْرِضَ تَصَدَّى لِإِقْرَاضِهِ وَأَعَدَّ مَالَهُ لِأَجْلِهِ، ثُمَّ لِأَجْلِ انْتِظَارِ ذَلِكَ بَعْدَ مَحِلِّ أَجَلِهِ.
وَكَشْفُ هَاتِهِ الشُّبْهَةِ قَدْ تَصَدَّى لَهُ الْقَفَّالُ فَقَالَ: «مَنْ بَاعَ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشْرَةً بِعِشْرِينَ فَقَدْ جَعَلَ ذَاتَ الثَّوْبِ مُقَابَلًا بِالْعِشْرِينَ، فَلَمَّا حَصَلَ التَّرَاضِي عَلَى هَذَا التَّقَابُلِ صَارَتِ الْعِشْرُونَ عِوَضًا لِلثَّوْبِ فِي الْمَالِيَّةِ فَلَمْ يَأْخُذِ الْبَائِعُ مِنَ الْمُشْتَرِي شَيْئًا بِدُونِ عِوَضٍ، أَمَّا إِذَا أَقْرَضَهُ عَشْرَةً بِعِشْرِينَ فَقَدْ أَخَذَ الْمُقْرِضُ الْعَشَرَةَ الزَّائِدَةَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ. وَلَا يُقَالُ إِنَّ الزَّائِدَ عِوَضُ الْإِمْهَالِ لِأَنَّ الْإِمْهَالَ لَيْسَ مَالًا أَوْ شَيْئًا يُشَارُ إِلَيْهِ حَتَّى يَجْعَلَهُ عِوَضًا عَنِ الْعَشَرَةِ الزَّائِدَةِ» . وَمَرْجِعُ هَذِهِ التَّفْرِقَةِ إِلَى أَنَّهَا مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ اعْتِبَارِيٍّ فَهِيَ تَفْرِقَةٌ قَاصِرَةٌ.
وَأَشَارَ الْفَخْرُ فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ حِكْمَةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا إِلَى تَفْرِقَةٍ أُخْرَى زَادَهَا الْبَيْضَاوِيُّ تَحْرِيرًا، حَاصِلُهَا أَنَّ الَّذِي يَبِيعُ الشَّيْءَ الْمُسَاوِيَ عَشْرَةً بِأَحَدَ عَشَرَ يَكُونُ قَدْ مَكَّنَ الْمُشْتَرِيَ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ إِمَّا بِذَاتِهِ وَإِمَّا بِالتِّجَارَةِ بِهِ، فَذَلِكَ الزَّائِدُ لِأَجْلِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ مَسِيسُ الْحَاجَةِ أَوْ تَوَقُّعُ الرَّوَاجِ وَالرِّبْحِ، وَأَمَّا الَّذِي دَفَعَ دِرْهَمًا لِأَجْلِ السَّلَفِ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَصِّلْ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 84
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست