responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 62
الْبُوذِيِّينَ، وَفِي بِلَادِ فَارِسَ فِي حِكْمَةِ زَرَادِشْتَ، وَعِنْدَ الْقِبْطِ فِي حِكْمَةِ الْكَهَنَةِ. ثُمَّ انْتَقَلَتْ حِكْمَةُ
هَؤُلَاءِ الْأُمَمِ الشَّرْقِيَّةِ إِلَى الْيُونَانِ وَهُذِّبَتْ وَصُحِّحَتْ وَفُرِّعَتْ وَقُسِّمَتْ عِنْدَهُمْ إِلَى قِسْمَيْنِ:
حِكْمَةٍ عَمَلِيَّةٍ، وَحِكْمَةٍ نَظَرِيَّةٍ.
فَأَمَّا الْحِكْمَةُ الْعَمَلِيَّةُ فَهِيَ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَا يَصْدُرُ مِنْ أَعْمَالِ النَّاسِ، وَهِيَ تَنْحَصِرُ فِي تَهْذِيبِ النَّفْسِ، وَتَهْذِيبِ الْعَائِلَةِ، وَتَهْذِيبِ الْأُمَّةِ.
وَالْأَوَّلُ عِلْمُ الْأَخْلَاقِ، وَهُوَ التَّخَلُّقُ بِصِفَاتِ الْعُلُوِّ الْإِلَهِيِّ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ الْبَشَرِيَّةِ، فِيمَا يَصْدُرُ عَنْهُ كَمَالٌ فِي الْإِنْسَانِ.
وَالثَّانِي عِلْمُ تَدْبِيرِ الْمَنْزِلِ.
وَالثَّالِثُ عِلْمُ السِّيَاسَةِ الْمَدَنِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ.
وَأَمَّا الْحِكْمَة النظرية فِي الْبَاحِثَةُ عَنِ الْأُمُورِ الَّتِي تُعْلَمُ وَلَيْسَتْ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَإِنَّمَا تُعْلَمُ لِتَمَامِ اسْتِقَامَةِ الْأَفْهَامِ وَالْأَعْمَالِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ عُلُومٍ:
عِلْمٌ يُلَقَّبُ بِالْأَسْفَلِ وَهُوَ الطَّبِيعِيُّ، وَعِلْمٌ يُلَقَّبُ بِالْأَوْسَطِ وَهُوَ الرِّيَاضِيُّ، وَعِلْمٌ يُلَقَّبُ بِالْأَعْلَى وَهُوَ الْإِلَهِيُّ.
فَالطَّبِيعِيُّ يَبْحَثُ عَنِ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ لِلتَّكْوِينِ وَالْخَوَاصِّ وَالْكَوْنِ وَالْفَسَادِ، وَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ حَوَادِثُ الْجَوِّ وَطَبَقَاتُ الْأَرْضِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ وَالْإِنْسَانِ، وَيَنْدَرِجُ فِيهِ الطِّبُّ وَالْكِيمْيَاءُ وَالنُّجُومُ.
وَالرِّيَاضِيُّ الْحساب والهندسة والهيأة وَالْمُوسِيقَى، وَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْجَبْرُ وَالْمِسَاحَةُ وَالْحِيَلُ الْمُتَحَرِّكَةُ (الْمَاكِينِيَّةُ) وَجَرُّ الْأَثْقَالِ.
وَأَمَّا الْإِلَهِيُّ فَهُوَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: مَعَانِي الْمَوْجُودَاتِ، وَأُصُولٌ وَمَبَادِئُ وَهِيَ الْمَنْطِقُ وَمُنَاقَضَةُ الْآرَاءِ الْفَاسِدَةِ، وَإِثْبَاتُ وَاجِبِ الْوُجُودِ وَصِفَاتِهِ، وَإِثْبَاتُ الْأَرْوَاحِ وَالْمُجَرَّدَاتِ، وَإِثْبَاتُ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ أَبُو نَصْرٍ الْفَارَابِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ ابْنُ سِينَا.
فَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ- مِنْ حُكَمَاءِ الْغَرْبِ- فَقَدْ قَصَرُوا الْحِكْمَةَ فِي الْفَلْسَفَةِ عَلَى مَا وَرَاءَ الطَّبِيعَةِ وَهُوَ مَا يُسَمَّى عِنْدَ الْيُونَانِ بِالْإِلَهِيَّاتِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 62
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست