responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 56
وَالْأَمْرُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْوُجُوبِ فَتَكُونَ الْآيَةُ فِي الْأَمْرِ بِالزَّكَاةِ، أَو للنَّدْب وَهِي فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، أَوْ هُوَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فِي الطَّلَبِ فَتَشْمَلُ الزَّكَاةَ وَصَدَقَةَ التَّطَوُّعِ، وَالْأَدِلَّةُ الْأُخْرَى تُبَيِّنُ حُكْمَ كُلٍّ. وَالْقَيْدُ بِالطَّيِّبَاتِ يُنَاسِبُ تَعْمِيمَ النَّفَقَاتِ.
وَالْمُرَادُ بِالطَّيِّبَاتِ خِيَارُ الْأَمْوَالِ، فَيُطْلَقُ الطَّيِّبُ عَلَى الْأَحْسَنِ فِي صِنْفِهِ. وَالْكَسْبُ مَا يَنَالُهُ الْمَرْءُ بسعيه كالتجارة وَالْإِجَارَة وَالْغَنِيمَةِ وَالصَّيْدِ. وَيُطْلَقُ الطَّيِّبُ عَلَى الْمَالِ الْمُكْتَسَبِ بِوَجْهٍ حَلَالٍ لَا يُخَالِطُهُ ظُلْمٌ وَلَا غِشٌّ، وَهُوَ الطَّيِّبُ عِنْدَ اللَّهِ
كَقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ- وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طِيبًا- تَلَقَّاهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ»
الْحَدِيثَ،
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا»
. وَلَمْ يَذْكُرِ الطَّيِّبَاتِ مَعَ قَوْلِهِ: وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ اكْتِفَاء عَنهُ بِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي قَسِيمِهِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُقَيَّدْ بِالطَّيِّبَاتِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَخْرَجْنا لَكُمْ أَشْعَرَ بِأَنَّهُ مِمَّا اكْتَسَبَهُ الْمَرْءُ بِعَمَلِهِ بِالْحَرْثِ وَالْغَرْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْأَمْوَالَ الْخَبِيثَةَ تُحَصَّلُ غَالِبًا مِنْ ظُلْمِ النَّاسِ أَوِ التَّحَيُّلِ عَلَيْهِمْ وَغِشِّهِمْ وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِي الثَّمَرَاتِ الْمُسْتَخْرَجَةِ مِنَ الْأَرْضِ غَالِبًا.
وَالْمُرَادُ بِمَا أُخْرِجَ مِنَ الْأَرْضِ الزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ، فَمِنْهُ مَا يَخْرُجُ بِنَفْسِهِ، وَمِنْهُ مَا يُعَالَجُ بِأَسْبَابِهِ كَالسَّقْيِ لِلشَّجَرِ وَالزَّرْعِ، ثُمَّ يُخْرِجُهُ اللَّهُ بِمَا أَوْجَدَ مِنَ الْأَسْبَابِ الْعَادِيَّةِ. وَبَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ عَدَّ الْمَعَادِنَ دَاخِلَةً فِي مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ. وَتَجِبُ عَلَى الْمَعْدِنِ الزَّكَاةُ عِنْدَ مَالِكٍ إِذَا بَلَغَ مِقْدَارَ النِّصَابِ، وَفِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ. وَهُوَ مِنَ الْأَمْوَالِ الْمَفْرُوضَةِ وَلَيْسَ بِزَكَاةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِيهِ الْخُمُسُ. وَبَعْضُهُمْ عَدَّ الرِّكَازَ دَاخِلًا فِيمَا
أُخْرِجَ مِنَ الْأَرْضِ وَلَكِنَّهُ يُخَمَّسُ، وَأُلْحِقَ فِي الْحُكْمِ بِالْغَنِيمَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. ولعلّ المُرَاد بِمَا كَسَبْتُمُ الْأَمْوَالُ الْمُزَكَّاةُ مِنَ الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ، وَبِالْمُخْرَجِ مِنَ الْأَرْضِ الْحُبُوبُ وَالثِّمَارُ الْمُزَكَّاةُ.
وَقَوْلُهُ: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ أَصْلُ تَيَمَّمُوا تَتَيَمَّمُوا، حُذِفَتْ تَاءُ الْمُضَارَعَةِ فِي الْمُضَارِعِ وَتَيَمَّمَ بِمَعْنَى قَصَدَ وَعَمَدَ.
وَالْخَبِيثُ الشَّدِيدُ سُوءًا فِي صِنْفِهِ فَلِذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى الْحَرَامِ وَعَلَى الْمُسْتَقْذَرِ قَالَ تَعَالَى: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ [الْأَعْرَاف: 157] وَهُوَ الضِّدُّ الْأَقْصَى لِلطَّيِّبِ فَلَا يُطْلَقُ عَلَى الرَّدِيءِ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ، وَوُقُوعُ لَفْظِهِ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ يُفِيدُ عُمُومَ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 56
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست