responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 51
وانتصب ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً عَلَى الْحَالِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ بِالْوَصْفِ، أَيْ مُبْتَغِينَ مَرْضَاةَ اللَّهِ وَمُثَبِّتِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَلَا يَحْسُنُ نَصْبُهُمَا عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ، أَمَّا قَوْلُهُ «ابْتِغَاءَ» فَلِأَنَّ مُفَادَ الِابْتِغَاءِ هُوَ مُفَادُ اللَّامِ الَّتِي يَنْتَصِبُ الْمَفْعُولُ لأَجله بإضمارها، لأنّ يؤول إِلَى مَعْنَى لِأَجْلِ طَلَبِهِمْ مَرْضَاةَ اللَّهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ «وَتَثْبِيتًا» فَلِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا عُطِفَ هُوَ عَلَيْهِ.
وَالتَّثْبِيتُ تَحْقِيقُ الشَّيْءِ وَتَرْسِيخُهُ، وَهُوَ تَمْثِيلٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِكَبْحِ النَّفْسِ عَنِ التَّشَكُّكِ وَالتَّرَدُّدِ، أَيْ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنَ التَّرَدُّدِ فِي الْإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَلَا يَتْرُكُونَ مَجَالًا لِخَوَاطِرِ الشُّحِّ، وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ ثَبَتَ قَدَمُهُ أَيْ لَمْ يَتَرَدَّدْ وَلَمْ يَنْكِصْ، فَإِنَّ إِرَاضَةَ النَّفْسِ عَلَى فِعْلِ مَا يَشُقُّ عَلَيْهَا لَهَا أَثَرٌ فِي رُسُوخِ الْأَعْمَالِ حَتَّى تَعْتَادَ الْفَضَائِلَ وَتَصِيرَ لَهَا دَيْدَنًا.
وَإِنْفَاقُ الْمَالِ مِنْ أَعْظَمِ مَا تَرَسُخُ بِهِ الطَّاعَةُ فِي النَّفْسِ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ أَمْرًا هَيِّنًا عَلَى النَّفْسِ، وَتَكُونُ «مِنْ» عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِلتَّبْعِيضِ، لَكِنَّهُ تَبْعِيضٌ مَجَازِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ، أَيْ تَثْبِيتًا لِبَعْضِ أَحْوَالِ النَّفْسِ.
وَمُوقِعُ (مِنْ) هَذِهِ فِي الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِنْزَالِ وَالِاقْتِصَادِ فِي تَعَلُّقِ الْفِعْلِ، بِحَيْثُ لَا يُطْلَبُ تَسَلُّطُ الْفِعْلِ عَلَى جَمِيعِ ذَاتِ الْمَفْعُولِ بَلْ يُكْتَفَى بِبَعْضِ الْمَفْعُولِ، وَالْمَقْصُودُ التَّرْغِيبُ فِي تَحْصِيلِ الْفِعْلِ وَالِاسْتِدْرَاجُ إِلَى تَحْصِيلِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ «الْكَشَّافِ» يَقْتَضِي أَنَّهُ جَعَلَ التَّبْعِيضَ فِيهَا حَقِيقِيًّا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَثْبِيتًا تَمْثِيلًا لِلتَّصْدِيقِ أَيْ تَصْدِيقًا لِوَعْدِ اللَّهِ وَإِخْلَاصًا فِي الدِّينِ لِيُخَالِفَ حَالَ الْمُنَافِقِينَ فَإِنَّ امْتِثَالَ الْأَحْكَامِ الشَّاقَّةِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ تَصْدِيقٍ لِلْآمِرِ بِهَا، أَيْ يَدُلُّونَ عَلَى تَثْبِيتٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
وَ (مِنْ) عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيْ تَصْدِيقًا صَادِرًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
وَيَجِيءُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي تَفْسِيرِ التَّثْبِيتِ مَعْنًى أَخْلَاقِيٌّ جَلِيلٌ أَشَارَ إِلَيْهِ الْفَخْرُ، وَهُوَ مَا تَقَرَّرَ فِي الْحِكْمَةِ الْخُلُقِيَّةِ أَنَّ تَكَرُّرَ الْأَفْعَالِ هُوَ الَّذِي يُوجِبُ حُصُولَ الْمَلَكَةِ الْفَاضِلَةِ فِي النَّفْسِ، بِحَيْثُ تَنْسَاقُ عَقِبَ حُصُولِهَا إِلَى الْكَمَالَاتِ بِاخْتِيَارِهَا، وَبِلَا كُلْفَةٍ وَلَا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 51
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست