responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 39
وَقَوْلُهُ: لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي مَعْنَاهُ لينبت وَيَتَحَقَّقَ عِلْمِي وَيَنْتَقِلَ مِنْ مُعَالَجَةِ الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ إِلَى بَسَاطَةِ الضَّرُورَةِ بِيَقِينِ الْمُشَاهَدَةِ وَانْكِشَافِ الْمَعْلُومِ انْكِشَافًا لَا يَحْتَاجُ إِلَى مُعَاوَدَةِ الِاسْتِدْلَالِ وَدَفْعِ الشُّبَهِ عَنِ الْعَقْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ حَقِيقَةَ يَطَمْئِنُ يَسْكُنُ، وَمَصْدَرُهُ الِاطْمِئْنَانُ، وَاسْمُ الْمَصْدَرِ الطُّمَأْنِينَةُ، فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي سُكُونِ الْأَجْسَامِ،. وَإِطْلَاقُهُ عَلَى اسْتِقْرَارِ الْعِلْمِ فِي النَّفْسِ وَانْتِفَاءِ مُعَالَجَةِ الِاسْتِدْلَالِ أَصْلُهُ مَجَازٌ بِتَشْبِيهِ التَّرَدُّدِ وَعِلَاجِ الِاسْتِدْلَالِ بِالِاضْطِرَابِ وَالْحَرَكَةِ، وَشَاعَ ذَلِكَ الْمَجَازُ حَتَّى صَارَ مُسَاوِيًا لِلْحَقِيقَةِ، يُقَالُ اطْمَأَنَّ بَالُهُ وَاطْمَأَنَّ قَلْبُهُ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ اطْمَأَنَّ وَزْنُهُ افْعَلَلَّ وَأَنَّهُ لَا قَلْبَ فِيهِ، فَالْهَمْزَةُ فِيهِ هِيَ لَامُ الْكَلِمَةِ وَالْمِيمُ عَيْنُ الْكَلِمَةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَمْرٍو وَهُوَ الْبَيِّنُ إِذْ لَا دَاعِيَ إِلَى الْقَلْبِ، فَإِنَّ وُقُوع الْهمزَة لَا مَا أَكْثَرُ وَأَخَفُّ مِنْ وُقُوعِهَا عَيْنًا، وَذَهَبَ سِيبَوَيْهِ إِلَى أنّ اطأمنّ مقلوب وَأَصله اطْمَأَنَّ وَقَدْ سُمِعَ طَمْأَنْتُهُ وَطَأْمَنْتُهُ وَأَكْثَرُ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى تَقْدِيمِ الْمِيمِ عَلَى الْهَمْزَةِ، وَالَّذِي أَوْجَبَ
الْخِلَافَ عَدَمُ سَمَاعِ الْمُجَرَّدِ مِنْهُ إِذْ لَمْ يُسْمَعْ طَمَنَ.
وَالْقَلْبُ مُرَادٌ بِهِ الْعِلْمُ إِذِ الْقَلْبُ لَا يَضْطَرِبُ عِنْدَ الشَّكِّ وَلَا يَتَحَرَّكُ عِنْدَ إِقَامَةِ الدَّلِيلِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلْفِكْرِ، وَأَرَادَ بِالِاطْمِئْنَانِ الْعِلْمَ الْمَحْسُوسَ وَانْشِرَاحَ النَّفْسِ بِهِ وَقَدْ دَلَّهُ اللَّهُ عَلَى طَرِيقَةٍ يَرَى بِهَا إِحْيَاءَ الْمَوْتَى رَأْيَ الْعَيْنِ.
وَقَوْلُهُ: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ اعْلَمْ أَنَّ الطَّيْرَ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ مُرَادِفًا لِطَائِرٍ فَإِنَّهُ مِنَ التَّسْمِيَةِ بِالْمَصْدَرِ وَأَصْلُهَا وَصْفٌ فَأَصْلُهَا الْوَحْدَةُ، وَلَا شَكَّ فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَالْأَزْهَرِيِّ وَقُطْرُبٍ وَلَا وَجْهَ لِلتَّرَدُّدِ فِيهِ، وَيُطْلَقُ عَلَى وَجمعه أَيْضًا وَهُوَ اسْمُ جَمْعِ طَائِرٍ كَصَحْبٍ وَصَاحِبٍ، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَهُ الْمَصْدَرُ وَالْمَصْدَرُ يَجْرِي عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الْجمع.
وَجِيء بِمن للتَّبْعِيض لدلَالَة عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعَةَ مُخْتَلِفَةُ الْأَنْوَاعِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حِكْمَةَ التَّعَدُّدِ وَالِاخْتِلَافِ زِيَادَةٌ فِي تَحَقُّقِ أَنَّ الْإِحْيَاءَ لَمْ يَكُنْ أَهْوَنَ فِي بَعْضِ الْأَنْوَاعِ دُونَ بَعْضٍ، فَلِذَلِكَ عُدِّدَتِ الْأَنْوَاعُ، وَلَعَلَّ جَعْلَهَا أَرْبَعَةً لِيَكُونَ وَضْعُهَا عَلَى الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ: الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَالْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ لِئَلَّا يَظُنَّ لِبَعْضِ الْجِهَاتِ مَزِيدَ اخْتِصَاصٍ بِتَأَتِّي الْإِحْيَاءِ، وَيَجُوزُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَرْبَعَةِ أَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ طَيْرٍ وَاحِدٍ فَتَكُونُ اللَّامُ لِلْعَهْدِ إِشَارَةً إِلَى طَيْرٍ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 39
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست