responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 253
وَالْمُصَدِّقُ: الْمُخْبِرُ بِصِدْقِ غَيْرِهِ، وَأُدْخِلَتِ اللَّامُ عَلَى الْمَفْعُولِ لِلتَّقْوِيَةِ، لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَصْدِيقٍ مُثْبَتٍ مُحَقَّقٍ، أَيْ مُصَدِّقًا تَصْدِيقًا لَا يَشُوبُهُ شَكٌّ وَلَا نِسْبَةٌ إِلَى خَطَأٍ. وَجُعِلَ التَّصْدِيقُ مُتَعَدِّيًا إِلَى التَّوْرَاةِ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ.
وَمَعْنَى مَا بَيْنَ يَدَيَّ مَا تَقَدَّمَ قَبْلِي، لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ السَّابِقَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ الْجَائِي فَهُوَ هُنَا تَمْثِيلٌ لِحَالَةِ السَّبْقِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُزُولِ التَّوْرَاةِ أَزْمِنَةٌ طَوِيلَةٌ، لِأَنَّهَا لَمَّا اتَّصَلَ الْعَمَلُ بِهَا إِلَى مَجِيئِهِ، فَكَأَنَّهَا لَمْ تَسْبِقْهُ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ. وَيُسْتَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْ كَذَا فِي مَعْنَى الْمُشَاهَدِ الْحَاضِرِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَعُطِفَ قَوْلُهُ وَلِأُحِلَّ عَلَى رَسُولًا وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَحْوَالِ: لِأَنَّ الْحَالَ تُشْبِهُ الْعِلَّةَ إِذْ هِيَ قَيْدٌ لِعَامِلِهَا، فَإِذَا كَانَ التَّقْيِيدُ عَلَى مَعْنَى التَّعْلِيلِ شَابَهَ الْمَفْعُولَ لأَجله، وشابه الجرور بِلَامِ التَّعْلِيلِ، فَصَحَّ أَنْ يُعْطَفَ عَلَيْهَا مَجْرُورٌ بِلَامِ التَّعْلِيلِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَيَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ جِئْتُكُمْ. وَعَقَّبَ بِهِ قَوْلَهُ: مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ النَّسْخَ لَا يُنَافِي التَّصْدِيقَ لِأَنَّ النَّسْخَ إِعْلَامٌ بِتَغَيُّرِ الْحُكْمِ. وَانْحَصَرَتْ شَرِيعَةُ عِيسَى فِي إِحْيَاءِ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ وَمَا تَرَكُوهُ فِيهَا وَهُوَ فِي هَذَا كَغَيْرِهِ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَفِي تَحْلِيلِ بَعْضِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رَعْيًا لِحَالِهِمْ فِي أَزْمِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَبِهَذَا كَانَ رَسُولًا. قِيلَ أَحَلَّ لَهُمُ الشُّحُومَ، وَلُحُومَ الْإِبِلِ، وَبَعْضَ السَّمَكِ، وَبَعْضَ الطَّيْرِ: الَّذِي كَانَ مُحَرَّمًا مِنْ قَبْلُ، وَأَحَلَّ لَهُمُ السَّبْتَ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْإِنْجِيلِ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِمْ مَا حُلِّلَ لَهُمْ، فَمَا قِيلَ: إِنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الطَّلَاقَ فَهُوَ تَقَوُّلٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا حَذَّرَهُمْ مِنْهُ وَبَيَّنَ لَهُمْ سُوءَ عَوَاقِبِهِ، وَحَرَّمَ تَزَوُّجَ الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ وَيَنْضَمُّ إِلَى ذَلِكَ مَا لَا تَخْلُو مِنْهُ دَعْوَةٌ: مِنْ تَذْكِيرٍ، وَمَوَاعِظَ، وَتَرْغِيبَاتٍ.
وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ.
وَقَوله: وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ: أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمرَان: 49] . وَإِنَّمَا عُطِفَ بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ أُرِيدَ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَيَحْصُلُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 253
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست