responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 23
وَقَوْلُهُ: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ تَقْرِيرٌ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْجُمَلُ كُلُّهَا مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكِبْرِيَائِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَبَيَانِ عَظَمَةِ مَخْلُوقَاتِهِ الْمُسْتَلْزِمَةِ عَظَمَةَ شَأْنِهِ، أَوْ لِبَيَانِ سِعَةِ مُلْكِهِ- كَذَلِكَ- كَمَا سَنُبَيِّنُهُ، وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْجُمَلُ مُتَرَتِّبَةً مُتَفَرِّعَةً.
وَالْكُرْسِيُّ شَيْءٌ يُجْلَسُ عَلَيْهِ مُتَرَكِّبٌ مِنْ أَعْوَادٍ أَوْ غَيْرِهَا مَوْضُوعَةٍ كَالْأَعْمِدَةِ مُتَسَاوِيَةٍ، عَلَيْهَا سَطْحٌ مِنْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِ بِمِقْدَارِ مَا يَسَعُ شَخْصًا وَاحِدًا فِي جُلُوسِهِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَكَانَ مُرْتَفِعًا فَهُوَ الْعَرْشُ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ حَقِيقَةَ الْكُرْسِيِّ إِذْ لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ تَعَالَى لِاقْتِضَائِهِ التَّحَيُّزَ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ غَيْرُ حَقِيقَتِهِ.
وَالْجُمْهُورُ قَالُوا: إِنَّ الْكُرْسِيَّ مَخْلُوقٌ عَظِيمٌ، وَيُضَافُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِعَظَمَتِهِ، فَقِيلَ هُوَ الْعَرْشُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْكُرْسِيَّ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَتَكَرَّرَ ذِكْرُ الْعَرْشِ، وَلَمْ يَرِدْ ذِكْرُهُمَا مُقْتَرِنَيْنِ، فَلَوْ كَانَ الْكُرْسِيُّ غَيْرَ الْعَرْشِ لَذُكِرَ مَعَهُ كَمَا ذُكِرَتِ السَّمَاوَاتُ مَعَ الْعَرْشِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [الْمُؤْمِنُونَ: 86] ، وَقِيلَ الْكُرْسِيُّ غَيْرُ الْعَرْشِ، فَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ هُوَ دُونَ الْعَرْشِ
وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا الْكُرْسِيُّ فِي الْعَرْشِ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ أُلْقِيَتْ بَيْنَ ظَهْرَيْ فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ»
وَهُوَ حَدِيثٌ لَمْ يَصِحَّ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ: الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ مِنَ الْعَرْشِ، أَيْ لِأَنَّ الْجَالِسَ عَلَى عَرْشٍ يَكُونُ مُرْتَفِعًا عَنِ الْأَرْضِ فَيُوضَعُ لَهُ كُرْسِيٌّ لِئَلَّا تَكُونَ رِجْلَاهُ فِي الْفَضَاءِ إِذَا لَمْ يَتَرَبَّعْ، وَرُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ الْكُرْسِيُّ مَثَلٌ لِعِلْمِ اللَّهِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّ الْعَالِمَ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيٍّ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ. وَقِيلَ مَثَلٌ لِمُلْكِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَقُولُونَ فُلَانٌ صَاحِبُ كُرْسِيِّ الْعِرَاقِ أَيْ مُلْكِ الْعِرَاقِ، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: «وَلَعَلَّهُ الْفَلَكُ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِفَلَكِ الْبُرُوجِ» . قُلْتُ أَثْبَتَ الْقُرْآنُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ مُسَمَّاهَا فِي قَوْلِهِ (سُورَةِ نُوحٍ) : أَلَمْ
تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً
[نوح: 15، 16] ، فَيَجُوزُ أَن تكون السَّمَوَات طَبَقَاتٍ مِنَ الْأَجْوَاءِ مُخْتَلِفَةَ الْخَصَائِصِ مُتَمَايِزَةً بِمَا يَمْلَأُهَا مِنَ العناصر، وَهِي مسبح الْكَوَاكِبِ، وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى (سُورَةُ الْمُلْكِ) : وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ [الْملك: 5] ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ السَّمَاوَاتُ هِيَ الْكَوَاكِبَ الْعَظِيمَةَ الْمُرْتَبِطَةَ بِالنِّظَامِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 23
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست