responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 187
وَانْتَصَبَ قائِماً بِالْقِسْطِ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا هُوَ أَيْ شَهِدَ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَقِيَامِهِ بِالْعَدْلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ مِنْ قَوْلِهِ: شَهِدَ اللَّهُ فَيَكُونَ حَالًا مُؤَكِّدَةً لِمَضْمُونِ شَهِدَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ هَذِهِ قِيَامٌ بِالْقِسْطِ، فَالشَّاهِدُ بِهَا قَائِمٌ بِالْقِسْطِ، قَالَ تَعَالَى: كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ [الْمَائِدَة: 8] . وَزَعَمَ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ: أَنَّ كَوْنَهُ حَالًا مُؤَكِّدَةً وَهْمٌ، وَعَلَّلَهُ بِمَا هُوَ وَهْمٌ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ مُحَمَّدْ الرَّصَّاعْ جَرَيَانَ بَحْثٍ فِي إِعْرَابِ مِثْلِ هَذِه الْحَال من سُورَةِ الصَّفِّ فِي دَرْسِ شَيْخِهِ مُحَمَّدْ ابْن عُقَابْ.
وَالْقِيَامُ هُنَا بِمَعْنَى الْمُوَاظَبَةِ كَقَوْلِهِ: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [الرَّعْد:
33] وَقَوْلِهِ: لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الْحَدِيد: 25] وَتَقُولُ: الْأَمِيرُ قَائِمٌ بِمَصَالِحِ الْأُمَّةِ، كَمَا تَقُولُ: سَاهِرٌ عَلَيْهَا، وَمِنْهُ «إقَام الصَّلَاةِ» وَقَوْلِ أَيْمَنَ بْنِ خُرَيْمٍ الْأَنْصَارِيِّ:
أَقَامَتْ غَزَالَةُ سُوقَ الضِّرَابِ ... لِأَهْلِ الْعِرَاقَيْنِ حَوْلًا قَمِيطَا
وَهُوَ فِي الْجَمِيعِ تَمْثِيلٌ.
وَالْقِسْطُ: الْعَدْلُ وَهُوَ مُخْتَصَرٌ مِنَ الْقُسْطَاسِ- بِضَمِّ الْقَافِ- رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: الْقُسْطَاسُ: الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ ثَابِتَةٌ فِي اللُّغَاتِ الرُّومِيَّةِ وَهِيَ مِنَ اللَّاطِينِيَّةِ، وَيُطْلَقُ الْقِسْطُ وَالْقِسْطَاسُ عَلَى الْمِيزَانِ، لِأَنَّهُ آلَةٌ لِلْعَدْلِ قَالَ تَعَالَى: وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ [الْإِسْرَاء: 35] وَقَالَ: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ [الْأَنْبِيَاء:
47] . وَقَدْ أَقَامَ اللَّهُ الْقِسْطَ فِي تَكْوِينِ الْعَوَالِمِ عَلَى نُظُمِهَا، وَفِي تَقْدِيرِ بَقَاءِ الْأَنْوَاعِ، وَإِيدَاعِ أَسْبَابِ الْمُدَافَعَةِ فِي نُفُوسِ الْمَوْجُودَاتِ، وَفِيمَا شَرَعَ لِلْبَشَرِ مِنَ الشَّرَائِعِ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ: لِدَفْعِ ظُلْمِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَظُلْمِهِمْ أَنْفُسَهُمْ، فَهُوَ الْقَائِمُ بِالْعَدْلِ سُبْحَانَهُ، وَعَدْلُ النَّاسِ مُقْتَبَسٌ مِنْ مُحَاكَاةِ عَدْلِهِ.
وَقَوْلُهُ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ تَمْجِيدٌ وَتَصْدِيقٌ، نَشَأَ عَنْ شَهَادَةِ الْمَوْجُودَاتِ كُلِّهَا لَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ تَلْقِينُ الْإِقْرَارِ لَهُ بِذَلِكَ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الْأَحْزَاب: 56] أَيِ اقْتِدَاءً بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ، عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ مَعَ ذَلِكَ تَأْكِيدَ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ، وَيُمَهِّدُ لِوَصْفِهِ تَعَالَى بِالْعَزِيزِ الْحَكِيمِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 187
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست