responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 157
وَسَبَبُ وُقُوعِ الْمُتَشَابِهَاتِ فِي الْقُرْآنِ: هُوَ كَوْنُهُ دَعْوَةً، وَمَوْعِظَةً، وَتَعْلِيمًا، وَتَشْرِيعًا بَاقِيًا، وَمُعْجِزَةً، وَخُوطِبَ بِهِ قَوْمٌ لَمْ يَسْبِقْ لَهُمْ عَهْدٌ بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّشْرِيعِ، فَجَاءَ عَلَى أُسْلُوبٍ مُنَاسِبٍ لِجَمْعِ هَذِهِ الْأُمُورِ، بِحَسَبِ حَالِ الْمُخَاطَبِينَ الَّذِينَ لَمْ يَعْتَادُوا الْأَسَالِيبَ التَّدْرِيسِيَّةَ، أَوِ الْأَمَالِيَ الْعِلْمِيَّةَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ هِجِّيرَاهُمُ الْخَطَابَةَ وَالْمُقَاوَلَةَ، فَأُسْلُوبُ الْمَوَاعِظِ وَالدَّعْوَةِ قَرِيبٌ مِنْ أُسْلُوبِ الْخَطَابَةِ، وَهُوَ لِذَلِكَ لَا يَأْتِي عَلَى أَسَالِيبِ الْكُتُبِ الْمُؤَلَّفَةِ لِلْعِلْمِ، أَوِ الْقَوَانِينِ الْمَوْضُوعَةِ لِلتَّشْرِيعِ، فأودعت الْعُلُوم الْمَقْصُود مِنْهُ فِي تَضَاعِيفِ الْمَوْعِظَةِ وَالدَّعْوَةِ، وَكَذَلِكَ أُودِعَ فِيهِ التَّشْرِيعُ، فَلَا تَجِدُ أَحْكَامَ نَوْعٍ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ، كَالْبَيْعِ، مُتَّصِلًا بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، بَلْ تَلْفِيهِ مُوَزَّعًا عَلَى حَسَبِ مَا اقْتَضَتْهُ مَقَامَاتُ الْمَوْعِظَةِ وَالدَّعْوَةِ، لِيَخِفَّ تَلَقِّيهِ عَلَى السَّامِعِينَ، وَيَعْتَادُوا عِلْمَ مَا لَمْ يَأْلَفُوهُ فِي أُسْلُوبٍ قَدْ أَلِفُوهُ فَكَانَتْ مُتَفَرِّقَةً يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ بِالتَّدَبُّرِ. ثُمَّ إِنَّ إِلْقَاءَ تِلْكَ الْأَحْكَامِ كَانَ فِي زمَان طَوِيلٍ، يَزِيدُ عَلَى عِشْرِينَ سَنَةً، أُلْقِيَ إِلَيْهِمْ فِيهَا مِنَ الْأَحْكَامِ بِمِقْدَارِ مَا دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَتُهُمْ، وَتَحَمَّلَتْهُ مَقْدِرَتُهُمْ، عَلَى أَنَّ بَعْضَ تَشْرِيعِهِ أُصُولٌ لَا تَتَغَيَّرُ، وَبَعْضَهُ فُرُوعٌ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ، فَلِذَلِكَ تَجِدُ بَعْضَهَا عَامًّا، أَوْ مُطْلَقًا، أَوْ مُجْمَلًا، وَبَعْضَهَا خَاصًّا، أَوْ مُقَيَّدًا، أَوْ مُبَيِّنًا، فَإِذَا كَانَ بَعْضُ
الْمُجْتَهِدِينَ يَرَى تَخْصِيصَ عُمُومِ بَعْضِ عُمُومَاتِهِ بِخُصُوص بعض الخصوصات مَثَلًا، فَلَعَلَّ بَعْضًا مِنْهُمْ لَا يَتَمَسَّكُ إِلَّا بِعُمُومِهِ، حِينَئِذٍ، كَالَّذِي يَرَى الْخَاصَّ الْوَارِدَ بَعْدَ الْعَامِّ نَاسِخًا، فَيَحْتَاجُ إِلَى تَعْيِينِ التَّارِيخِ، ثُمَّ إِنَّ الْعُلُومَ الَّتِي تَعَرَّضَ لَهَا الْقُرْآنُ هِيَ مِنَ الْعُلُومِ الْعُلْيَا: وَهِيَ عُلُومٌ فِيمَا بَعْدَ الطَّبِيعَةِ، وَعُلُومُ مَرَاتِبِ النُّفُوسِ، وَعُلُومُ النِّظَامِ الْعُمْرَانِيِّ، وَالْحِكْمَةِ، وَعُلُومُ الْحُقُوقِ. وَفِي ضِيقِ اللُّغَةِ الْمَوْضُوعَةِ عَنِ الْإِيفَاءِ بِغَايَاتِ الْمُرَادَاتِ فِي هَاتِهِ الْعُلُومِ، وَقُصُورِ حَالَةِ اسْتِعْدَادِ أَفْهَامِ عُمُومِ الْمُخَاطَبِينَ لَهَا، مَا أَوْجَبَ تَشَابُهًا فِي مَدْلُولَاتِ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا. وَإِعْجَازُ الْقُرْآنِ: مِنْهُ إِعْجَازٌ نَظْمِيٌّ وَمِنْهُ إِعْجَازٌ عِلْمِيٌّ، وَهُوَ فَنٌّ جَلِيلٌ مِنَ الْإِعْجَازِ بَيَّنْتُهُ فِي الْمُقَدَّمَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ مُقَدَّمَاتِ هَذَا التَّفْسِيرِ. فَلَمَّا تَعَرَّضَ الْقُرْآنُ إِلَى بَعْضِ دَلَائِلِ الْأَكْوَانِ وَخَصَائِصِهَا، فِيمَا تَعَرَّضَ إِلَيْهِ، جَاءَ بِهِ مَحْكِيًّا بِعِبَارَةٍ تَصْلُحُ لِحِكَايَةِ حَالَتِهِ عَلَى مَا هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَرُبَّمَا كَانَ إِدْرَاكُ كُنْهِ حَالَتِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَجْهُولًا لِأَقْوَامٍ، فَيَعُدُّونَ تِلْكَ الْآيَ الدَّالَّةَ عَلَيْهِ مِنَ الْمُتَشَابِهِ فَإِذَا جَاءَ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلِمُوا أَنَّ مَا عَدَّهُ الَّذِينَ قَبْلَهُمْ مُتَشَابِهًا مَا هُوَ إِلَّا مُحْكَمٌ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 157
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست