responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 140
التَّقْدِيرُ، قُولُوا: رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا إِلَى آخِرِ السُّورَةِ إِنَّ اللَّهَ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ لَهُمْ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، لَقَّنَهُمْ مُنَاجَاةً بِدَعَوَاتٍ هِيَ مِنْ آثَارِ انْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ. وَالْمُرَادُ مِنَ الدُّعَاءِ بِهِ طَلَبُ الدَّوَامِ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُنْسَخَ ذَلِكَ مِنْ جَرَّاءِ غَضَبِ اللَّهِ كَمَا غَضِبَ عَلَى الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [النِّسَاء: 160] .
وَالْمُؤَاخَذَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْأَخْذِ بِمَعْنَى الْعُقُوبَةِ، كَقَوْلِهِ: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ [هود: 102] وَالْمُفَاعَلَةُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ لَا تَأْخُذْنَا بِالنِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ.
وَالْمُرَادُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى النِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ لَا يُرْضِيَانِ اللَّهَ تَعَالَى.
فَهَذِهِ دَعْوَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ دَعَوْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ رَفَعَ عَنْهُمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «وُضِعَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
وَتَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّتِهِ، وَقَدْ حَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ، وَأَنْكَرَهُ أَحْمَدُ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ فِي غَيْرِ مَا يرجع إِلَى الْخطاب الْوَضْعِ. فَالْمَعْنَى رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْمُؤَاخَذَةَ فَبَقِيَتِ الْمُؤَاخَذَةُ بِالْإِتْلَافِ وَالْغَرَامَاتِ وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَةِ «لَا تُؤَاخِذْنَا» أَيْ لَا تُؤَاخِذْنَا بِالْعِقَابِ عَلَى فِعْلٍ: نِسْيَانٍ أَوْ خَطَأٍ، فَلَا يَرِدُ إِشْكَالُ الدُّعَاءِ بِمَا عُلِمَ حُصُولُهُ، حَتَّى نَحْتَاجَ إِلَى تَأْوِيلِ الْآيَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ سَبَبُهُمَا وَهُوَ التَّفْرِيطُ وَالْإِغْفَالُ كَمَا فِي «الْكَشَّافِ» .
وَقَوْلُهُ: رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً إِلَخ فَصْلٌ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ الْمُتَعَاطِفَتَيْنِ، بِإِعَادَةِ النِّدَاءِ، مَعَ أَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ: لِأَنَّ مُخَاطَبَةَ الْمُنَادَى مُغْنِيَةٌ عَنْ إِعَادَةِ النِّدَاءِ لَكِنْ قُصِدَ مِنْ إِعَادَتِهِ إِظْهَارُ التَّذَلُّلِ. وَالْحَمْلُ مَجَازٌ فِي التَّكْلِيفِ بِأَمْرٍ شَدِيدٍ يَثْقُلُ عَلَى النَّفْسِ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِاسْتِعَارَةِ الْإِصْرِ.
وَأَصْلُ مَعْنَى الْإِصْرِ مَا يُؤْصَرُ بِهِ أَيْ يُرْبَطُ، وَتُعْقَدُ بِهِ الْأَشْيَاءُ، وَيُقَالُ لَهُ: الْإِصَارُ- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ- ثُمَّ اسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ الْمُؤَكَّدِ فِيمَا يَصْعُبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي آلِ عمرَان [81] : قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي وَأُطْلِقَ أَيْضًا عَلَى مَا يَثْقُلُ عَمَلُهُ، وَالِامْتِثَالُ فِيهِ، وَبَذَلِكَ فَسَّرَهُ الزَّجَّاجُ وَالزَّمَخْشَرِيُّ هُنَا وَفِي قَوْلِهِ، فِي

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 140
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست