responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 107
عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: «لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ» . وَهَذِهِ نُصُوصُ التَّوْرَاةِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ تَنْهَى عَنْ أَشْيَاءَ أَوْ تَأْمُرُ بِأَشْيَاءَ وَتَخُصُّهَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَتُسَوِّغُ مُخَالَفَةَ ذَلِكَ مَعَ الْغَرِيبِ، وَلَمْ نَرَ فِي دِينٍ مِنَ الْأَدْيَانِ التَّصْرِيحَ بِالتَّسْوِيَةِ فِي الْحُقُوقِ سِوَى دِينِ الْإِسْلَامِ، فَكَيْفَ نَعْتَدُّ بِشَهَادَةِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَرَوْنَ الْمُسْلِمِينَ مَارِقِينَ عَنْ دِينِ الْحَقِّ مُنَاوِئِينَ لَهُمْ، وَيَرْمُونَ بِذَلِكَ نَبِيئَهُمْ فَمَنْ دُونَهُ، فَمَاذَا يُرْجَى مِنْ هَؤُلَاءِ أَنْ يَقُولُوا الْحَقَّ لَهُمْ أَوْ عَلَيْهِمْ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَابِعَةٌ لِأَحْكَامِ التَّوْرَاةِ. عَلَى أَنَّ تَجَافِيَ أَهْلِ الْأَدْيَانِ أَمْرٌ كَانَ كَالْجِبِلِّيِّ فَهَذَا الْإِسْلَامُ مَعَ أَمْرِهِ الْمُسْلِمِينَ بِالْعَدْلِ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا نَرَى مِنْهُمُ امْتِثَالًا فِيمَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ فِي شَأْنِهِمْ.
وَفِي الْقُرْآنِ إِيمَاءٌ إِلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ» .
وَفِي «الْبُخَارِيِّ» ، فِي حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ فِي مَجْلِسِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَمَا رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ ذَهَبُوا إِلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقُوا بِهَا، فَوَجَدُوا أَحَدَهُمْ قَتِيلًا، فَقَالوُا لِلَّذِينَ وُجِدَ فِيهِمُ الْقَتِيلُ أَنْتُمْ قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا، قَالُوا مَا قَتَلْنَا، فَانْطَلَقُوا إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَوْا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: «تَأْتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ» ، قَالُوا: «مَا لَنَا بَيِّنَةٌ» ، قَالَ: «فَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ خَمْسِينَ يَمِينًا» ، قَالُوا: «مَا يُبَالُونَ أَنْ يَقْتُلُونَا أَجْمَعِينَ ثُمَّ يَحْلِفُونَ» ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ وَوَدَاهُ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ. فَقَدْ أَقَرَّ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ الْأَنْصَارِ فِي الْيَهُودِ: إِنَّهُمْ مَا يُبَالُونَ أَنْ يَقْتُلُوا كُلَّ الْقَوْمِ ثُمَّ يَحْلِفُونَ.
فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ اعْتَدَّتِ الشَّرِيعَةُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنَ الْكُفَّارِ، قُلْتُ: اعْتَدَّتْ بِهَا لِأَنَّهَا أَقْصَى مَا يُمْكِنُ فِي دَفْعِ الدَّعْوَى، فَرَأَتْهَا الشَّرِيعَةُ خَيْرًا مِنْ إِهْمَالِ الدَّعْوَى مِنْ أَصْلِهَا.
وَلِأَجْلِ هَذَا اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي غَيْرِ الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِشْهَادِ عَلَى الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَشُرَيْحٌ بِقَبُولِ شَهَادَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ، وَقَضَى بِهِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ مُدَّةَ قَضَائِهِ فِي الْكُوفَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ غير الْمُسلمين على الْمُسْلِمِينَ وَرَأَوْا أَنَّ مَا فِي آيَةِ الْوَصِيَّةِ مَنْسُوخٌ، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَاخْتَلَفُوا فِي شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ فَأَجَازَهَا أَبُو حَنِيفَةَ نَاظِرًا فِي ذَلِكَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 107
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست