responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 28  صفحه : 58
وَلَيْسَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِلْآيَةِ سَبَبُ نُزُولٍ فَإِنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّهَا مُتَّصِلَةُ الْمَعْنَى بِمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا مِنْ ذَمِّ الْمُنَافِقِينَ وَمُوَالَاتِهِمُ الْيَهُودَ، فَمَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ قَصَصٍ لِسَبَبِ نُزُولِهَا فَإِنَّمَا هُوَ أَمْثِلَةٌ لِمُقْتَضَى حُكْمِهَا.
وَافْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِ لَا تَجِدُ قَوْماً يُثِيرُ تَشْوِيقًا إِلَى مَعْرِفَةِ حَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَمَا سَيُسَاقُ فِي شَأْنِهِمْ مِنْ حُكْمٍ.
وَالْخطاب للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَمْرُهُ بِإِبْلَاغِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مُوَادَّةَ مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ مُحَادُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ هِيَ مِمَّا يُنَافِي الْإِيمَانَ لِيَكُفَّ عَنْهَا مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ مُتَلَبِّسًا بِهَا.
فَالْكَلَامُ مِنْ قِبَلِ الْكِنَايَةِ عَنِ السَّعْيِ فِي نَفْيِ وِجْدَانِ قَوْمٍ هَذِهِ صِفَتُهُمْ، مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِمْ: لَا أَرَيَنَّكَ هَاهُنَا، أَيْ لَا تَحْضُرْ هُنَا.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لَا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ [يُونُس: 18] أَرَادَ بِمَا لَا يَكُونُ، لِأَنَّ مَا لَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا، وَكَانَتْ هَذِهِ عَادَةُ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ أَيَّامَ كَانُوا بِمَكَّةَ. وَقَدْ نُقِلَتْ أَخْبَارٌ مِنْ شَوَاهِدِ ذَلِكَ مُتَفَاوِتَةُ الْقُوَّةِ وَلَكِنْ كَانَ الْكُفْرُ أَيَّامَئِذٍ مَكْشُوفًا وَالْعَدَاوَةُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَاضِحَةً. فَلَمَّا انْتَقَلَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ كَانَ الْكُفْرُ مَسْتُورًا فِي الْمُنَافِقِينَ فَكَانَ التَّحَرُّزُ مِنْ مُوَادَّتِهِمْ أَجْدَرَ وَأَحْذَرَ.
وَالْمُوَادَّةُ أَصْلُهَا: حُصُولُ الْمَوَدَّةِ فِي جَانِبَيْنِ. وَالنَّهْيُ هُنَا إِنَّمَا هُوَ عَنْ مَوَدَّةِ الْمُؤْمِنِ الْكَافِرِينَ لَا عَنْ مُقَابَلَةِ الْكَافِرِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمَوَدَّةِ، وَإِنَّمَا جِيءَ بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ هُنَا اعْتِبَارًا بِأَنَّ شَأْنَ الْوُدِّ أَنْ يَجْلِبَ وُدًّا مِنَ الْمَوْدُودِ لِلْوَادِّ.
وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْمُفَاعَلَةُ كِنَايَةً عَنْ كَوْنِ الْوُدِّ صَادِقًا لِأَنَّ الْوَادَّ الصَّادِقَ يُقَابِلُهُ الْمَوْدُودُ بِمِثْلِهِ. وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِشَوَاهِدِ الْمُعَامَلَةِ، وَقَرِينَةُ الْكِنَايَةِ تَوْجِيهُ نَفْيِ وِجْدَانِ الْمَوْصُوفِ بِذَلِكَ إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلِ اللَّهُ هُنَا إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً [آل عمرَان: 28] ، لِأَنَّ الْمَوَدَّةَ مِنْ أَحْوَالِ الْقَلْبِ فَلَا تُتَصَوَّرُ مَعَهَا التَّقِيَةُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى قَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً [آل عمرَان: 28] .

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 28  صفحه : 58
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست