responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 28  صفحه : 262
(2)
هَذَا تَقْرِيرٌ لِمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [التغابن: 1] ، وَتَخَلُّصٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الَّذِينَ أَشْرَكُوا بِاللهِ قَدْ كَفَرُوا بِنِعْمَتِهِ وَبِخَلْقِهِمْ زِيَادَةً عَلَى جَحْدِهِمْ دَلَائِلَ تَنَزُّهِهِ تَعَالَى عَنِ النَّقْصِ الَّذِي اعْتَقَدُوهُ لَهُ. وَلِذَلِكَ قَدَّمَ فَمِنْكُمْ كافِرٌ عَلَى وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ لِأَنَّ الشِّقَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْكَلَامِ تَعْرِيضًا وَتَصْرِيحًا.
وَأَفَادَ تَعْرِيفُ الْجُزْأَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ قَصْرَ صِفَةِ الْخَالْقِيَّةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ قَصْرٌ حَقِيقِيٌّ قُصِدَ بِهِ الْإِشَارَةُ بِالْكِنَايَةِ بِالرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِذْ عَمَدُوا إِلَى عِبَادَةِ أَصْنَامٍ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا لَمْ تَخْلُقْهُمْ فَمَا كَانَتْ مُسْتَحِقَّةً لِأَنْ تُعْبَدَ، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ شُكْرٌ. قَالَ تَعَالَى:
أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النَّحْل: 17] .
وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: خَلَقَكُمْ لِجَمِيعِ النَّاسِ الَّذِينَ يَدْعُوهُمُ الْقُرْآنُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ:
فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ، فَإِنَّ النَّاسَ لَا يُعِدُّونَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ.
وَالْفَاءُ فِي فَمِنْكُمْ كافِرٌ عَاطِفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَلَيْسَتْ عَاطِفَةً عَلَى فِعْلِ خَلَقَكُمْ وَهِيَ لِلتَّفْرِيعِ فِي الْوُقُوعِ دُونَ تَسَبُّبٍ.
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ [الْحَدِيد: 26] وَمِثْلُ هَذَا التَّفْرِيعِ يَسْتَتْبِعُ التَّعْجِيبَ مِنْ جَرْيِ أَحْوَالِ بَعْضِ النَّاسِ عَلَى غَيْرِ مَا يَقْتَضِيهِ الطَّبْعُ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الْوَاقِعَة: 82] فَجُمْلَةُ فَمِنْكُمْ كافِرٌ هِيَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّفْرِيعِ، وَهُوَ تَفْرِيعٌ فِي الْحُصُولِ، وَقُدِّمَ ذِكْرُ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ [التغابن: 5] .
وَجُمْلَةُ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ تَتْمِيمٌ وَتَنْوِيهٌ بِشَأْنِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَمُضَادَّةُ حَالِهِمْ لِحَالِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَمُقَابَلَةُ الْحَالِ بِالْحَالِ.
وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ تَتْمِيمٌ وَاحْتِرَاسٌ وَاسْتِطْرَادٌ، فَهُوَ تَتْمِيمٌ لِمَا يُكَمِّلُ الْمَقْصُودُ مِنْ تَقْسِيمِهِمْ إِلَى فَرِيقَيْنِ لِإِبْدَاءِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَلِكَ وَعَلِيمٌ بِأَنَّهُ يَقَعُ وَلَيْسَ اللَّهُ مَغْلُوبًا عَلَى وُقُوعِهِ وَلَكِنَّ حِكْمَتَهُ وَعِلْمَهُ اقْتَضَيَا ذَلِكَ. وَدُونَ تَفْصِيلٍ هَذَا تَطْوِيلٌ نَخُصُّهُ بِتَأْلِيفٍ فِي مَعْنَى الْقَدَرِ وَجَرَيَانِ أَعْمَالِ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَنَقْتَصِرُ هُنَا عَلَى أَنْ نَقُولَ: خَلَقَ اللَّهُ النَّاسَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 28  صفحه : 262
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست