responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 28  صفحه : 253
وَ (مِنْ) لِلتَّبْعِيضِ، أَيْ بَعْضَ مَا رَزَقْنَاكُمْ، وَهَذِهِ تَوْسِعَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَهَذَا الْبَعْضُ مِنْهُ هُوَ مُعَيَّنُ الْمِقْدَارِ مِثْلَ مَقَادِيرِ الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَمِنْهُ مَا يَتَعَيَّنُ بِسَدِّ الْخَلَّةِ الْوَاجِبِ سَدَّهَا مَعَ طَاقَةِ الْمُنْفِقِ كَنَفَقَاتِ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالرِّبَاطِ وَنَفَقَاتِ الْعِيَالِ الْوَاجِبَةِ وَنَفَقَاتِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الضَّرُورِيَّةِ وَالْحَاجِيَّةِ، وَمِنْهُ مَا يَتَعَيَّنُ بِتَعَيُّنِ سَبَبِهِ كَالْكَفَّارَاتِ، وَمِنْهُ مَا وَكَّلَ لِلنَّاسِ تَعْيِينَهُ مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ من الْإِنْفَاق فَذَلِك مَوْكُولٌ إِلَى رَغَبَاتِ النَّاسِ فِي نَوَالِ الثَّوَابِ فَإِنَّ ذَلِكَ بَابٌ عَظِيمٌ مِنَ الْقُرْبَى مِنْ رِضَى اللَّهِ تَعَالَى،
وَفِي الْحَدِيثِ «الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطَايَا كَمَا يطفىء الْمَاءُ النَّارَ»
. وَقَدْ ذَكَّرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا فِي الْإِنْفَاقِ مِنَ الْخَيْرِ بِأَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُكْثِرُوا مِنْهُ مَا دَامُوا مُقْتَدِرِينَ قَبْلَ الْفَوْتِ، أَيْ قَبْلَ تَعَذُّرِ الْإِنْفَاقِ وَالْإِتْيَانِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَذَلِكَ حِينَ يَحِسُّ الْمَرْءُ بِحَالَةٍ تُؤْذِنُ بِقُرْبِ الْمَوْتِ وَيُغْلَبُ عَلَى قُوَاهُ فَيَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُؤَخِّرَ مَوْتَهُ وَيَشْفِيَهُ لِيَأْتِيَ بِكَثِيرٍ مِمَّا فَرَّطَ فِيهِ مِنَ الْحَسَنَاتِ طَمَعًا أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ فَإِنْ كَانَ فِي أَجَلِهِ تَأْخِيرٌ فَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَجَلِ تَأْخِيرٌ أَوْ لَمْ يُقَدِّرِ اللَّهُ لَهُ الِاسْتِجَابَةَ فَإِنَّهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ.
ولَوْلا حَرْفُ تَحْضِيضٍ، وَالتَّحْضِيضُ الطَّلَبُ الْحَثِيثُ الْمُضْطَرُّ إِلَيْهِ، وَيُسْتَعْمَلُ
لَوْلا لِلْعَرْضِ أَيْضًا وَالتَّوْبِيخِ وَالتَّنْدِيمِ وَالتَّمَنِّي عَلَى الْمَجَازِ أَوِ الْكِنَايَةِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فِي سُورَةِ يُونُسَ [98] .
وَحَقُّ الْفِعْلِ بَعْدَهَا أَنْ يَكُونَ مُضَارِعًا وَإِنَّمَا جَاءَ مَاضِيًا هُنَا لِتَأْكِيدِ إِيقَاعِهِ فِي دُعَاءِ الدَّاعِي حَتَّى كَأَنَّهُ قَدْ تَحَقَّقَ مِثْلَ أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْل: 1] وَقَرِينَةُ ذَلِكَ تَرْتِيبُ فِعْلَيْ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ عَلَيْهِ.
وَالْمَعْنَى: فَيَسْأَلُ الْمُؤْمِنُ رَبَّهُ سُؤَالًا حَثِيثًا أَنْ يُحَقِّقَ تَأْخِيرَ مَوْتِهِ إِلَى أَجَلٍ يَسْتَدْرِكُ فِيهِ مَا اشْتَغَلَ عَنْهُ مِنْ إِنْفَاقٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ.
وَوَصْفُ الْأَجَلِ بِ قَرِيبٍ تَمْهِيدٌ لِتَحْصِيلِ الِاسْتِجَابَةِ بِنَاءً عَلَى مُتَعَارَفِ النَّاسِ أَنَّ الْأَمْرَ الْيَسِيرَ أَرْجَى لِأَنْ يَسْتَجِيبَهُ الْمَسْئُولُ فَيَغْلِبُ ذَلِكَ عَلَى شُعُورِهِمْ حِينَ يَسْأَلُونَ اللَّهَ تَنْسَاقُ بِذَلِكَ نُفُوسُهُمْ إِلَى مَا عَرَفُوا، وَلِذَلِكَ
وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «لَا يَقُولُنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ وَلِيَعْزِمَ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ»
. تَنْبِيهًا عَلَى هَذَا التَّوَهُّمِ فَالْقُرْآنُ حَكَى عَنِ النَّاسِ مَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَقْوَالِهِمْ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 28  صفحه : 253
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست