responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 28  صفحه : 209
رَسُولُ الْأُمِّيِّينَ
. وَكَانَ ابْنُ صَيَّادٍ مُتَدَيِّنًا بِالْيَهُودِيَّةِ لِأَنَّ أَهْلَهُ كَانُوا حُلَفَاءَ لِلْيَهُودِ.
وَكَانَ الْيَهُودُ يَنْتَقِصُونَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّهُمْ أُمِّيُّونَ قَالَ تَعَالَى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمرَان: 75] فَتَحَدَّى اللَّهُ الْيَهُودَ بِأَنَّهُ بَعَثَ رَسُولًا إِلَى الْأُمِّيِّينَ وَبِأَنَّ الرَّسُولَ أُمِّيٌّ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ كَمَا فِي آخِرِ الْآيَةِ وَأَنَّ فَضْلَ اللَّهِ لَيْسَ خَاصًّا بِالْيَهُودِ وَلَا بِغَيْرِهِمْ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى مِنْ قَبْلُ لِمُوسَى وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ [الْقَصَص:
5، 6] .
وَوَصَفُ الرَّسُولِ بِأَنَّهُ مِنْهُمْ، أَيْ مِنَ الْأُمِّيِّينَ شَامِلٌ لِمُمَاثَلَتِهِ لَهُمْ فِي الْأُمِّيَّةِ وَفِي الْقَوْمِيَّةِ. وَهَذَا مِنْ إِيجَازِ الْقُرْآنِ الْبَدِيعِ.
وَفِي وَصْفِ الرَّسُولِ الْأُمِّيِّ بَأَنَّهُ يَتْلُو عَلَى الْأُمِّيِّينَ آيَاتِ اللَّهِ، أَيْ وَحْيَهُ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكُتَّابَ، أَيْ يُلَقِّنُهُمْ إِيَّاهُ كَمَا كَانَتِ الرُّسُلُ تُلَقِّنُ الْأُمَمَ الْكِتَابِ بِالْكِتَابَةِ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْحِكْمَةَ الَّتِي عَلَّمَتْهَا الرُّسُلُ السَّابِقُونَ أُمَمَهُمْ فِي كُلِّ هَذِهِ الْأَوْصَافِ تَحَدٍّ بِمُعْجِزَةِ الْأُمِّيَّةِ فِي هَذَا الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ هُوَ مَعَ كَوْنِهِ أُمِّيًّا قَدْ أَتَى أَمَّتَهُ بِجَمِيعِ الْفَوَائِدِ الَّتِي أَتَى بِهَا الرُّسُلُ غَيْرُ الْأُمِّيِّينَ أُمَمَهُمْ وَلَمْ يَنْقُصْ عَنْهُمْ شَيْئًا، فَتَمَحَّضَتِ الْأُمِّيَّةُ لِلْكَوْنِ مُعْجِزَةً حَصَلَ مِنْ صَاحِبِهَا أَفْضَلُ مِمَّا حَصَلَ مِنَ الرُّسُلِ الْكَاتِبِينَ مِثْلِ مُوسَى.
وَفِي وَصْفِ الْأُمِّيِّ بِالتِّلَاوَةِ وَتَعْلِيمِ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ وَتَزْكِيَةِ النُّفُوسِ ضَرْبٌ مِنْ مُحَسِّنِ
الطِّبَاقِ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ أَنَّ هَذِهِ مُضَادَّةٌ لِلْأُمِّيَّةِ.
وَابْتُدِئَ بِالتِّلَاوَةِ لِأَنَّ أَوَّلَ تَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ بِإِبْلَاغِ الْوَحْيِ، وَثُنِّيَ بِالتَّزْكِيَةِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الدَّعْوَةِ بِالتَّطْهِيرِ مِنَ الرِّجْسِ الْمَعْنَوِيِّ وَهُوَ الشِّرْكُ، وَمَا يَعْلِقُ بِهِ من مساوئ الْأَعْمَالِ وَالطِّبَاعِ.
وَعَقَّبَ بِذِكْرِ تَعْلِيمِهِمُ الْكِتَابَ لِأَنَّ الْكِتَابَ بَعْدَ إِبْلَاغِهِ إِلَيْهِمْ تَبَيَّنَ لَهُمْ مَقَاصِدُهُ وَمَعَانِيهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ
[الْقِيَامَة: 18، 19] ، وَقَالَ: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النَّحْل: 44] ، وَتَعْلِيمُ الْحِكْمَةِ هُوَ غَايَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّ مَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِهِ وَفَهِمَ خَفَايَاهُ نَالَ الْحِكْمَةَ قَالَ تَعَالَى:

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 28  صفحه : 209
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست