responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 28  صفحه : 180
تَحْذِيرٍ لِلْمُخَاطَبِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلِلتَّخَلُّصِ إِلَى ذِكْرِ أَخْبَارِ عِيسَى بِالرَّسُولِ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدَهُ.
وَنَادَى عِيسَى قَوْمَهُ بِعُنْوَانِ بَنِي إِسْرائِيلَ دُونَ يَا قَوْمِ [الصَّفّ: 5] لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ
بَعْدَ مُوسَى اشْتُهِرُوا بِعُنْوَانِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» وَلَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِمْ عُنْوَانُ: قَوْمُ مُوسَى، إِلَّا فِي مُدَّةِ حَيَاةِ مُوسَى خَاصَّةً فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا صَارُوا أُمَّةً وَقَوْمًا بِسَبَبِهِ وَشَرِيعَتِهِ.
فَأَمَّا عِيسَى فَإِنَّمَا كَانَ مُرْسَلًا بِتَأْيِيدِ شَرِيعَةِ مُوسَى، وَالتَّذْكِيرِ بِهَا وَتَغْيِيرِ بَعْضِ أَحْكَامِهَا، وَلِأَنَّ عِيسَى حِينَ خَاطَبَهُمْ لَمْ يَكُونُوا قَدْ اتَّبَعُوهُ وَلَا صَدَّقُوهُ فَلَمْ يَكُونُوا قَوْمًا لَهُ خَالِصِينَ.
وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ فِي أَوَائِلِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [50] وَفِي أَثْنَاءِ سُورَةِ الْعُقُودِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ تَنْبِيهِهِمْ عَلَى هَذَا التَّصْدِيقِ حِينَ ابْتَدَأَهُمْ بِالدَّعْوَةِ تَقْرِيبُ إِجَابَتِهِمْ وَاسْتِنْزَالُ طَائِرِهِمْ لِشِدَّةِ تَمَسُّكِهِمْ بِالتَّوْرَاةِ وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ أَحْكَامَهَا لَا تَقْبَلُ النَّسْخَ، وَأَنَّهَا دَائِمَةٌ. وَلِذَلِكَ لَمَّا ابْتَدَأَهُمْ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا مَا حَكَى عَنْهُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [50] مِنْ قَوْلِهِ: وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ، فَيُحْمَلُ مَا هُنَالِكَ عَلَى أَنَّهُ خِطَابٌ وَاقِعٌ بَعْدَ أَوَّلِ الدَّعْوَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُوحِ إِلَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِنَسْخِ بَعْضِ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ ثُمَّ أَوْحَاهُ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ. فَحِينَئِذٍ أَخْبَرَهُمْ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ شَأْنُ التَّشْرِيعِ أَنْ يُلْقَى إِلَى الْأُمَّةِ تَدْرِيجًا كَمَا
فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» أَنَّهَا قَالَتْ: «إِنَّمَا أُنْزِلَ أَوَّلُ مَا أُنْزِلَ مِنْهُ (أَيِ الْقُرْآنِ) سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ أَنْزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ:
لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ، لَقَالُوا: لَا نَتْرُكُ الْخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لَا تَزْنُوا: لَقَالُوا: لَا نَدع الزِّنَا أَبَدًا. لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ على مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ [الْقَمَر: 46] ، وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ» اه.
فَمَعْنَى قَوْلِهِ: مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ فِي كِلْتَا الْآيَتَيْنِ هُوَ التَّصْدِيقُ بِمَعْنَى التَّقْرِيرِ وَالْأَعْمَالِ عَلَى وَجْهِ الْجُمْلَةِ، أَيْ أَعْمَالِ مَجْمُوعِهَا وَجَمْهَرَةِ أَحْكَامِهَا وَلَا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 28  صفحه : 180
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست