responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 28  صفحه : 13
وَجُمْلَةُ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَخْ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ مَا هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ. أَعْنِي إِبْطَالَ التَّحْرِيمِ بِلَفْظِ الظِّهَارِ، إِذْ كَوْنُهُنَّ غَيْرَ أُمَّهَاتِهِمْ ضَرُورِيٌّ لَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّعْلِيلِ.
وَزِيدَ صَنِيعُهُمْ ذَمَّا بِقَوْلِهِ: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً تَوْبِيخًا لَهُمْ عَلَى صَنِيعِهِمْ، أَيْ هُوَ مَعَ كَوْنِهِ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْمَرْأَةِ هُوَ قَوْلٌ مُنْكَرٌ، أَيْ قَبِيحٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ حُرْمَةِ الْأُمِّ لِتَخَيُّلَاتٍ شَنِيعَةٍ تَخْطُرُ بمخيلة السَّامع عِنْد مَا يَسْمَعُ قَوْلَ الْمُظَاهِرِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. وَهِيَ حَالَةٌ يَسْتَلْزِمُهَا ذِكْرُ الظَّهْرِ فِي قَوْلِهِ: «كَظَهْرِ أُمِّي» .
وَأَحْسَبُ أَنَّ الْفِكْرَ الَّذِي أَمْلَى صِيغَةَ الظِّهَارِ عَلَى أَوَّلِ مَنْ نَطَقَ بِهَا كَانَ مَلِيئًا بِالْغَضَبِ الَّذِي يَبْعَثُ عَلَى بَذِيءِ الْكَلَامِ مِثْلِ قَوْلِهِمْ: امْصُصْ بَظْرَ أُمِّكَ فِي الْمُشَاتَمَةِ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلٌ زُورٌ لِأَنَّهُ كَذِبٌ إِذْ لَمْ يُحَرِّمْهَا اللَّهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ [4] : وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ.
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ إِنْ وَاللَّامِ، لِلِاهْتِمَامِ بِإِيقَاظِ النَّاسِ لِشَنَاعَتِهِ إِذْ كَانُوا قَدِ اعْتَادُوهُ فَنُزِّلُوا مَنْزِلَةَ مَنْ يَتَرَدَّدُ فِي كَوْنِهِ مُنْكَرًا أَوْ زُورًا، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا فِي شَرْعٍ قَدِيمٍ وَلَا فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّهُ شَيْءٌ وَضَعَهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ عَدُّهُ مَعَ تَكَاذِيبِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ [4] .
وَبَعْدَ هَذَا التَّوْبِيخِ عَطَفَ عَلَيْهِ جُمْلَةَ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ كِنَايَةً عَن عدم مواخذتهم بِمَا صَدَرَ مِنْهُمْ مِنَ الظِّهَارِ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ، إِذْ كَانَ عُذْرُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلٌ تَابَعُوا فِيهِ أَسْلَافَهُمْ وَجَرَى عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ دُونَ تَفَكُّرٍ فِي مَدْلُولَاتِهِ. وَأَمَّا بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ:
أَنَّ حُكْمَ إِيقَاعِهِ الْحُرْمَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رَاشِدٍ الْقَفَصِيُّ فِي «اللُّبَابِ» لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ:
وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ [المجادلة: 4] أَنَّ إِيقَاعَ الظِّهَارِ مَعْصِيَةٌ، وَلِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً فَسَّرَ ابْنُ عَطِيَّةَ قَوْلَهُ تَعَالَى:
وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً. وَبِذَلِكَ أَيْضًا فَسَّرَ الْقُرْطُبِيُّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: هُوَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ إِيقَاعُهُ. وَدَلَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: تَكْذِيبُ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ.
الثَّانِي: أَنَّهُ سَمَّاهُ مُنْكَرًا وَزُورًا، وَالزُّورُ الْكَذِبُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِإِجْمَاعٍ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 28  صفحه : 13
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست