responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 28  صفحه : 125
فِي الْحَدِيثِ «مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ» .
وَمِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ
، فَيَكُونُ اسْمُ الْبَرِيئَةِ غَيْرَ خَاصٍّ بِالنَّاسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ [الْبَيِّنَة: 6، 7] . وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْبَرِيئَةُ: الْخَلْقُ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «الْعَارِضَةِ» : الْبارِئُ: خَالِقُ النَّاسَ مِنَ الْبَرَى (مَقْصُورًا) وَهُوَ التُّرَابُ خَاصًّا بِخَلْقِ جِنْسِ الْإِنْسَانِ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ اسْمُ الْبَرِيئَةِ خَاصًّا بِالْبَشَرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ.
وَفَسَّرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ بِمَعْنَى الْخَالِقِ. وَكَذَلِكَ صَاحَبُ «الْقَامُوسِ» . وَفَسَّرَهُ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ الْمَوْجُودُ الْمُخْتَرِعُ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْطَبِقٍ فَأَحْسَنُ تَفْسِيرٍ لَهُ مَا فِي «الْكَشَّافِ» .
والْمُصَوِّرُ: مُكَوِّنُ الصُّوَرِ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ ذَوَاتِ الصُّوَرِ الْمَرْئِيَّةِ.
وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ مُتَتَابِعَةً لِأَنَّ مِنْ مَجْمُوعِهَا يَحْصُلُ تَصَوُّرُ الْإِبْدَاعِ الْإِلَهِيِّ
لِلْإِنْسَانِ فَابْتُدِئَ بِالْخَلْقِ الَّذِي هُوَ الْإِيجَادُ الْأَصْلِيُّ ثُمَّ بِالْبَرَءِ الَّذِي هُوَ تَكْوِينُ جِسْمِ الْإِنْسَانِ ثُمَّ بِالتَّصَوُّرِ الَّذِي هُوَ إِعْطَاءُ الصُّورَةِ الْحَسَنَةِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ [الانفطار: 7، 8] ، الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ [آل عمرَان: 6] .
وَوَجْهُ ذِكْرِهَا عَقِبَ الصِّفَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، أَيْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ أُرِيدَ مِنْهَا الْإِشَارَةُ إِلَى تَصَرُّفِهِ فِي الْبَشَرِ بِالْإِيجَادِ عَلَى كَيْفِيَّتِهِ الْبَدِيعَةِ لِيُثِيرَ دَاعِيَةَ شُكْرِهِمْ عَلَى ذَلِك. وَلذَلِك عقب بِجُمْلَةِ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ وَجْهَ إِرْجَاعِ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْحُسْنَى إِلَى مَا يُنَاسِبُهَا مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ السُّورَةُ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَلَكِنَّهَا ذُكِرَتْ فِي الْآيَةِ بِحَسَبِ تَنَاسُبِ مَوَاقِعِ بَعْضِهَا عَقِبَ بَعْضٍ مِنْ تَنْظِيرٍ أَوِ احْتِرَاسٍ أَوْ تَتْمِيمٍ كَمَا عَلِمْتَهُ آنِفًا.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: يَتَعَلَّقُ بِمَا يُنَاسِبُ أَحْوَالَ الْمُشْرِكِينَ وَأَحْلَافِهِمُ الْيَهُودِ الْمُتَأَلِّبِينَ على النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعَلى الْمُسْلِمِينَ بِالْحَرْبِ وَالْكَيْدِ وَالْأَذَى، وَأَنْصَارِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الْمُخَادِعِينَ لِلْمُسْلِمِينَ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 28  صفحه : 125
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست