responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 96
فَأَمَّا إِطْلَاقُ الْأَنْهَارِ عَلَى أَنْهَارِ الْمَاءِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ، وَأَمَّا إِطْلَاقُ الْأَنْهَارِ عَلَى مَا هُوَ مِنْ
لَبَنٍ وَخَمْرٍ وَعَسَلٍ فَذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، أَيْ مُمَاثَلَةٌ لِلْأَنْهَارِ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُمَاثَلَةُ تَامَّةً فِي أَنَّهَا كَالْأَنْهَارِ مُسْتَبْحِرَةٌ فِي أَخَادِيدَ مِنْ أَرْضِ الْجَنَّةِ فَإِنَّ أَحْوَالَ الْآخِرَةِ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَرْأَى أَنْهَارٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ مَرْأًى مُبْهِجٌ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُمَاثَلَةُ هَذِهِ الْأَصْنَافِ لِلْأَنْهَارِ فِي بَعْضِ صِفَاتِ الْأَنْهَارِ وَهِيَ الِاسْتِبْحَارُ. وَهَذِهِ الْأَصْنَافُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ كَانَتْ مِنْ أَفْضَلِ مَا يَتَنَافَسُونَ فِيهِ وَمِنْ أَعَزِّ مَا يَتَيَسَّرُ الْحُصُولُ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ الْكَثِيرُ مِنْهَا، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مِنْهَا أَنْهَارٌ فِي الْجَنَّةِ. وَتُنَاوُلُ هَذِهِ الْأَصْنَافِ مِنَ التَّفَكُّهِ الَّذِي هُوَ تَنَعُّمُ أَهْلِ الْيَسَارِ وَالرَّفَاهِيَةِ.
وَقَدْ ذُكِرَ هُنَا أَرْبَعَةُ أَشْرِبَةٍ هِيَ أَجْنَاسُ أَشْرِبَتْهِمْ، فَكَانُوا يَسْتَجِيدُونَ الْمَاءَ الصَّافِيَ لِأَنَّ غَالِبَ مِيَاهِهِمْ مِنَ الْغُدْرَانِ والأحواض بالبادية تمتلىء مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ أَوْ مِنْ مُرُورِ السُّيُولِ فَإِذَا اسْتَقَرَّتْ أَيَّامًا أَخَذَتْ تَتَغَيَّرُ بِالطُّحْلُبِ وَبِمَا يَدْخُلُ فِيهَا مِنَ الْأَيْدِي وَالدِّلَاءِ، وَشُرْبِ الْوُحُوشِ وَقَلِيلٌ الْبِلَادُ الَّتِي تَكُونُ مُجَاوِرَةً الْأَنْهَارَ الْجَارِيَةَ. وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ كَانُوا إِذَا حَلَبُوا وَشَرِبُوا أَبْقَوْا مَا اسْتَفْضَلُوهُ إِلَى وَقْتٍ آخَرَ لِأَنَّهُمْ لَا يَحْلُبُونَ إِلَّا حَلْبَةً وَاحِدَةً أَوْ حَلْبَتَيْنِ فِي الْيَوْمِ فَيَقَعُ فِي طَعْمِ اللَّبَنِ تَغْيِيرٌ. فَأَمَّا الْخَمْرُ فَكَانَتْ قَلِيلَةً عَزِيزَةً عِنْدَهُمْ لِقِلَّةِ الْأَعْنَابِ فِي الْحِجَازِ إِلَّا قَلِيلًا فِي الطَّائِفِ، فَكَانَتْ الْخَمْرُ تُجْتَلَبُ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ وَمِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ، وَكَانَتْ غَالِيَةَ الثَّمَنِ وَقَدْ يَنْقَطِعُ جَلْبُهَا زَمَانًا فِي فَصْلِ الشِّتَاءِ لِعُسْرِ السَّيْرِ بِهَا فِي الطُّرُقِ وَفِي أَوْقَاتِ الْحُرُوبِ أَيْضًا خَوْفَ انْتِهَابِهَا.
وَالْعَسَلُ هُوَ أَيْضًا مَنْ أَشْرَبَتِهِمْ، قَالَ تَعَالَى فِي النَّحْلِ [69] يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ وَالْعَرَبُ يَقُولُونَ: سَقَاهُ عَسَلًا، وَيَقُولُونَ: أَطْعَمَهُ عَسَلًا. وَكَانَ الْعَسَلُ مَرْغُوبًا فِيهِ يُجْتَلَبُ مِنْ بِلَادِ الْجِبَالِ ذَاتِ النَّبَاتِ الْمُسْتَمِرِّ. فَأَمَّا الثَّمَرَاتُ فَبَعْضُهَا كَثِيرٌ عِنْدَهُمْ كَالتَّمْرِ وَبَعْضُهَا قَلِيلٌ كَالرُّمَّانِ.
وَالْآسِنُ: وَصْفٌ مَنْ أَسَنَ الْمَاءُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنَصَرَ وَفَرِحَ، إِذَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ أَسِنٍ بِدُونِ أَلِفٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ عَلَى وَزْنِ فَعِلٍ لِلْمُبَالِغَةِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 96
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست