responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 93
كَقَوْلِهِمْ: لَوْ كانَ خَيْراً مَا سَبَقُونا إِلَيْهِ [الْأَحْقَاف: 11] وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ [المطففين: 32] فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 110] .
وَالْمُرَادُ بِالْمَوْصُولَيْنِ فَرِيقَانِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي أَحَدِهِمَا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ.
وَالْبَيِّنَةُ: الْبُرْهَانُ وَالْحُجَّةُ، أَيْ حُجَّةٍ عَلَى أَنَّهُ مُحِقٌّ. ومِنْ ابْتِدَائِيَّةٌ، وَفِي التَّعْبِيرِ بِوَصْفِ الرَّبِّ وَإِضَافَتِهِ إِلَى ضَمِيرِ الْفَرِيقِ تَنْبِيهٌ عَلَى زُلْفَى الْفَرِيقِ الَّذِي تَمَسَّكَ بِحُجَّةِ اللَّهِ.
وَمَعْنَى وَصْفِ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهَا مِنَ اللَّهِ: أَنَّ اللَّهَ أَرْشَدَهُمْ إِلَيْهَا وَحَرَّكَ أَذْهَانَهُمْ فَامْتَثَلُوا وَأَدْرَكُوا الْحَقَّ، فَالْحُجَّةُ حُجَّةٌ فِي نَفْسِهَا وَكَوْنِهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَزْكِيَةٌ لَهَا وَكَشْفٌ لِلتَّرَدُّدِ فِيهَا وَإِتْمَامٌ لِدَلَالَتِهَا، كَمَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ أَخْذِ الْعِلْمِ عَنْ مُتَضَلِّعٍ فِيهِ وَأَخْذِهِ عَنْ مُسْتَضْعَفٍ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُصِيبًا. وَ (عَلَى) لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّمَكُّنِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [5] .
وَهَذَا الْفَرِيقُ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَهُمْ ثَابِتُونَ عَلَى الدِّينِ وَاثِقُونَ بِأَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ. فَلَا جَرَمَ يَكُونُ لَهُمُ الْفَوْزُ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ اللَّهَ يَسَّرَ لَهُمْ أَسْبَابَهُ فَإِنْ قَاتَلُوا كَانُوا عَلَى ثِقَةٍ بِأَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ فَقَوِيَتْ شَجَاعَتُهُمْ، وَإِنْ سَالَمُوا عُنُوا بِتَدْبِيرِ شَأْنِهِ وَمَا فِيهِ نَفْعُ الْأُمَّةِ وَالدِّينِ فَلَمْ يَأْلَوْا جُهْدًا فِي حُسْنِ أَعْمَالِهِمْ، وَذَلِكَ مِنْ آثَارِ أَنَّ اللَّهَ أَصْلَحَ بَالَهُمْ وهداهم. والفريق الَّذين زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ هُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي أَحْوَالِ السُّوأَى مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَالظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ وَارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ، فَلَمَّا نَبَّهَهُمُ اللَّهُ لِفَسَادِ أَعْمَالِهِمْ بِأَنْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا بَيَّنَ لَهُمْ صَالِحَ الْأَعْمَالِ وَسَيِّئَاتِهَا لَمْ يُدْرِكُوا ذَلِكَ وَرَأَوْا فَسَادَهُمْ صَلَاحًا فَتَزَيَّنَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي أَنْظَارِهِمْ وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا الْإِقْلَاعَ عَنْهَا وَغَلَبَ الْفَهْمُ وَهَوَاهُمْ عَلَى رَأْيهمْ فَلم يعبأوا بِاتِّبَاعِ مَا هُوَ صَلَاحٌ لَهُمْ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ، فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ بِإِيجَازٍ.
وَبُنِيَ فِعْلُ زُيِّنَ لِلْمَجْهُولِ لِيَشْمَلَ الْمُزَيِّنِينَ لَهُمْ مِنْ أَيِمَّةِ كُفْرِهِمْ، وَمَا سَوَّلَتْهُ لَهُمْ أَيْضًا عُقُولُهُمُ الْآفِنَةُ مِنْ أَفْعَالِهِمُ السَّيِّئَةِ اغْتِرَارًا بِالْإِلْفِ أَوِ اتِّبَاعًا لِلَّذَّاتِ الْعَاجِلَةِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 93
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست